أين تنتهي ملفات الفساد؟

آراء 2023/06/22
...


 زهير كاظم عبود

ملفات الفساد التي مرت على الذاكرة العراقية لم تكن حديثة، لأن جميع الوزارات المتعاقبة شملتها، وكانت من بين الملفات التي تم ارتكابها، لا سيما ان بلدنا اصبح يشار له بين الدول التي ينخرها الفساد ويحاصرها، وبالرغم من معرفة اغلب اهل العراق بان المطلوب في ملفات الفساد لابد ان يكون له ظهير قوي من طبقة السياسيين الكبار ٫ الا ان التستر يطغي على مجمل عمليات التحقيق والملاحقة والمتابعة، بالرغم من أن في العراق سلطة قضائية مستقلة، وأن القضاة لا سلطان عليهم في قراراتهم واحكامهم الا القانون، وامامنا هيئة مختصة بالنزاهة تقوم بدور الملاحقة والتحقيق بإشراف القضاء
العراقي.
الأموال التي سرقت أو تم اختلاسها أو التي اهدارها تقدر بمئات المليارات من الدولارات، وهي تكفي لإعادة بناء بلد اكبر من العراق، لم نزل بحاجة لمستشفيات وطرق مواصلات ومدارس وجسور وبيوت لإيواء الفقراء، وبنى تحتية ومعامل ومصانع ومطارات وقطارات ووسائل نقل ومنتجات نفطية وزراعة وصناعة ومحاربة البطالة والفقر، وحصر السلاح بيد الدولة مثل باقي خلق الله.
ما يحزن النفس أن اغلب تلك الملفات تتخذ الإجراءات القانونية بحق المتهمين فيها بعد تمكنهم من السفر بعيدا عن العراق، وأن تصدر الاحكام بحقهم غيابيا، ومع أن اغلب المراجع التي يستند إليها المتهمون من النخب السياسية التي تتشارك بمسؤولية الحكم في العراق، فلا القضاء يفصح عن أسماء المتهمين الكبار، ولا السلطة التنفيذية تفصح عن تلك الأسماء، ولا العديد من الناس ممن تتوفر له المعلومات ليدفعه حسه الوطني للأخبار أو للشهادة خشية أو تجنبا، ويبقى المواطن أسير التمنيات.
وجميعنا نعلم بان لا حصانة لأحد امام القانون، وأن الدستور والقوانين جعلت جميع العراقيين متساوين أمام القانون، إلا أن الملفات التي تم نسيانها أو تركها أو اهمالها أو غلقها، أصبحت تؤشر بما لا يقبل الشك إلى أن الفساد لن تتم مواجهته، ولن ينتهي في بلادنا، وأن هناك من هو فوق
القانون.
ومع مجيء كل حكومة وتعهدها بمحاربة الفساد بشكل جاد وتقديم المتورطين أمام القضاء لينالوا جزاءهم العادل، وأن يستعيد العراق الأموال والمبالغ، التي تمت سرقتها أو اختلاسها أو التفريط بها، إلا أن الحقيقة لا تتعدى ذر الرماد بالعيون، وتعتمد اعتمادا فعليا على نسيان العراقيين لتلك الملفات ولأسماء المتهمين فيها، وحتى لا يطول الاتهام أو التحقيق مسؤولا حكوميا كبيرا حتى اعتقد البعض انه فوق القانون، الجرائم التي ارتكبت أمام انظار العالم بالصوت والصورة في قتل المتظاهرين السلميين عام 2019 والتي بلغ عدد ضحاياها اكثر من 800 ضحية من شباب العراق، وجريمة سقوط الموصل، وجريمة سبايكر، وجريمة أموال مطار النجف، صفقة تسليح الجيش العراقي، صفقة الطائرات القديمة، جولات التراخيص النفطية، عقود بناء المدارس، تهريب سجناء ابي غريب، حرق صناديق الانتخابات، المشاريع الوهمية وأخيرا وليس اخرها سرقة أموال الامانات الضريبية التي اطلق عليها (صفقة سرقة القرن)، وغير ذلك من الملفات التي لم تجد لها المحاسبة المتناسبة مع حجم السرقة أو الاختلاس أو الفساد والخراب الحاصل بالمال
العام.
لم تعد ثقة المواطن بنظامنا السياسي قائمة، فالكل متهم بالتشارك بالفساد، والكل متهم بالانتفاع من تلك الصفقات، والكل يستفاد من ظروف الانفلات والتدهور الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، والكل يتشارك بالنتائج السلبية التي وصل اليها العراق اليوم، بالنظر للانتقائية التي نلمسها في اثارة بعض الملفات، والاعتقاد بقوة الفاسدين وسطوتهم ومتانة السند الذي يستندون عليه.
المرارة في أن التحقيق يعالج حالات الفساد في المحافظات وضمن السلطات المحلية، ويتجنب الخوض والدخول في ملفات الصفقات الكبيرة التي تديرها الرؤوس الكبيرة، والتي يتم تعليقها أو تركها على رفوف النسيان، حيث تكنسها قضية ملف اكثر من الأولى ثقلا وبروزا وتوجها إعلاميا.
العبرة ليس أن تتم استعادة جزء من الأموال المسروقة أو المنهوبة، فلم يحدث مطلقا في تاريخ العراق الحديث إن تمت مساومة مختلس أو سارق أو فاسد أن يستعيد حريته أو مكانته في حال إعادته جزءا من هذه الأموال للعراق، مثلما تشكيل اللجان التي نزعم انها ستواجه عمليات الفساد وتقوم بتجهيز الملفات لإحالتها على المحكمة المختصة، مثل هذا الامر لن ينهي حقبة الفساد، ولن يساهم في إيقاف عجلة الفساد التي لم تتوقف منذ بدء النظام الجديد وحتى اليوم، القانون هو القانون للجميع، والمنهجية والتطبيق القانوني السليم واعتماد معيار العدالة تشكل جميعها الفيصل في مواجهة الملفات الخاصة بالفساد، وبغير ذلك سنبقى ندور في حلقة مفرغة وفي باب التمنيات، ولن نتوصل إلى خطوات إيجابية تشكل جدار مواجهة للفساد والفاسدين.
إننا بحاجة لطهارة الموقف والضمير الصادق في المواجهة، بحاجة للشجاعة في التشخيص، والدقة والرصانة والصبر في الاتهام وترتيب الأدلة، والإيمان الصادق بنبل مهمة الفصل في الاتهام دون الاكتراث بحظوة المتهم ودرجته وعنوان عمله واسم حزبه أو كتلته السياسية، الطبقة السياسية في العراق معنية اكثر من غيرها بهذا الامر، والملفات التي تمَّ اهمالها أو وضعها في خانة الانتظار أو الغلق لمجهولية الفاعل، علينا أن نعيد فتحها وأن نتابع جميع القضايا التي مررت علينا، وأن نصحو من حالة النسيان وتجاوز الملف إلى ملف آخر، وأن نستيقظ من حالة الغفو التي تجتاح مجتمعنا، وأن نتعرف ليس فقط على المتهم الفاسد والفعل المخالف للقانون الذي تم اتهامه به، بل بحاجة لاسمه وعمله والحكم النهائي الذي صدر بحقة وصورته، إن كنا فعلا نسعى بصدق لمحاسبة
الفاسدين.