علي لفتة سعيد
تصوير: ذياب الخزاعي
في أغلب معارضه الفنية يسعى الفنان فاضل ضامد الى خلخلة اللوحة في معياريتها البصرية لينتج سطحًا مليئًا بالألوان، مثلما ينتج مفهومًا أعتقد أنه خاص به، حين يقسم اللوحة الى مكانين متناظرين مرة، أو متقاطعين مرّة ثانية، وثالثة يريد منهما دمج العنوان بالمعنى. وهو يعي جيدا أن العنوان الرئيس للمعرض ربما يكون جامعًا للقصديات الكبرى التي تحملها اللوحات لكنه ايضا يريد منه أن يكون محورًا من محاور السؤال، سواء كان فنيًا أو فلسفيًا، لذا اختار عنوانًا أقرب الى الذاكرة، ذاكرة المتلقّي ليستفزّه ويعيده الى ماضيه ويربط العلاقة بين الحالة الاجتماعية والحالة الذاكراتية من جهة ـ وبين الحالة المخيالية والحالة الحداثوية من جهة أخرى. فكان عنوان معرضه الشخصي الذي أقامه على قاعة متحف صلاح حيثاني في كربلاء قد حمل كلمة واحدة (بازة) ولا أعتقد أن أحدًا لم يدرك العنوان أو حتى يلمسه، كونه أيّ "البازة" قماش اشتهر بعلاقته بالفقراء، فإنه أيضا قماش تحوّل الى لوحات اتّخذ من المدرستين الرمزية والتعبيرية انطلاقا لطرح الأفكار.
فلوحات ضامد التي عرضها من خلال معرضه الشخصي لا يريدها فقط استذكارًا لهذه الطفولة التي استلّت من الحياة اليومية الماضوية، بل هي امتداد للروح الشغوفة بالتعبير المختلف كي يتم التميز، لذا فإن الفنان فاضل ضامد عمد الى استخدام قماش (البازة) لرسم المخيّلات العديدة.
إن أفكار اللوحات تحتاج الى متلقٍ له إلمامٌ بحركة الفرشاة من جهةٍ ـ وحركة المعاني أيضا، فضلًا عن حركة اللّوحة اللونيّة في مجملها. فهي تكاد تكون عبارة عن ضرباتٍ لونيّةٍ يتداخل فيها عنصر المقدرة الابداعية مع عنصر اللعبة التشكيلية التي يجيدها ضامد، فكانت الأعمال تنبع من روحٍ ليست فطرية، كما هي لدى أغلب الفنانين ـ بل كانت تحمل بعدًا فلسفيًا مبنيًا على حركة السؤال وكيفية انبثاقه وإيجاد موطئ قدمٍ له في مساحة تفكير المتلقّي.. ماذا تحمل هذه اللوحة أو تلك؟ ماذا تعني فكرة هذه اللوحة بعنوانها وبماذا يمكن ربط المخطّط المكاني لسطح اللوحة وقماشها؟ ولأن الإجابة تعود بالمتلقّي الى فهمه للمدارس الفنيَّة، فإنّ اللوحات التي أخذت من المدرستين هما التجريدية والتعبيرية حيث سجّلت التعبيرية حضورًا مهما يمتد لتاريخٍ عميقٍ من الذاكرة، في حين كانت المدرسة التجريدية امتدادًا لفهمه المتنقّل ما بين الحرفية والإبداعية، مستخدمًا تقنيةً جديدةً اختلفت كثيرًا عن غيرها بعيدًا عن الكولاج.
إنَّ الفنان فاضل ضامد ولأنه اعتمد على هاتين المدرستين، فإن اللّون هو المحصّلة النهائية لمفهوم التلقّي، وهما ايضا الدلالة الإيحائية التي تعطي توليفًا مهمًّا يعتمد فيهما على الرمز والدلالة والحروف والأرقام، مثلما يكون الانشغال بالمساحة الكلية للوحة هو المعيار الإبداعي أيضا، حيث تتوزّع في كلّها على توليفات أو حتى أيقونات لها غاية الترابط مع بعضها، ليصنع منها أمكنةً وأزمنةً يريدها معبرةً على سطح قماشة اللوحة، فينتج كتلًا ورموزًا تشكّل مرآة النظر الكليّة، إذا ما ابتعد المتلقّي عن اللصق الكلي للكلي، وإلى مفاتيح متعدّدة إذا ما اقترب المتلقّي من اللوحة ذاتها.
الفنان ضامد في أغلب لوحاته يترك سؤالًا للمتلقّي، هو السؤال الذي يتحوّل الى سجالٍ وما بين السجال والسؤال حيث يكمن السؤال لدى المتلقّي في وعيه حيث يمكنه الاقتراب منه وحصد الجمالية التي يريدها.