الانتحارُ كابوسٌ اجتماعي

آراء 2023/06/24
...

عباس الصبَّاغ

لا يمرُّ يوم من دون أن تذكر وسائل الإعلام بأنواعها حالات لانتحار شاب أو شابة أو مراهق في عمر الورود، صحيح أن الانتحار في العراق لم يصل الى درجة الظاهرة فمن الواجب الالتفات اليها بجدية،  لكن حدوث معظم الحالات المؤسفة في سن الشباب فضلا عن الفتيات والنساء المتزوجات اللائي يعانين من فشل تلك الزيجات او مراهقين لم ينجحوا في دراستهم أو لظروف قاهرة، كل ذلك يستدعي التحرّك للمعالجة.
بعد أن كان العراق من أقل البلدان تسجيلا للانتحار اصبح اليوم من اكثرها لذلك، ولأسباب لا تخفى على أحد كالوضع الاقتصادي الراهن  والظروف السياسية الصعبة والمشكلات الأسرية وتعاطي المخدرات والضغوط النفسية والتفكك والتشرد الأسري والتنمّر الالكتروني  وغيرها من ظروف تبدو متشابهة ومتقاربة لجميع المنتحرين والمؤشرة ازاء كل منهم، ولكل منتحر سبب جعله ينهي حياته بشكل أو بآخر والأسباب كثيرة لا يبتعد الجو السيا/ اقتصادي /السيوسولوجي عنها، فضلا عن الأسري المضطرب والاعراف القبلية المتوارثة والضغوط النفسية المرضية.
الحديث عن عمر معين وحالات معينة يستدعي السرعة لدراسة  الظروف والعوامل التي تجعل من هؤلاء ان ينهوا حياتهم بهذه الطريقة المأساوية، وهي تتكرر في ظروف وحالات متشابهة ومتقاربة كالفقر والبطالة والفشل في الدراسة والزواج والتعنيف الأسري والضغط الاجتماعي والاقتصادي، فضلا عن اليأس من المستقبل والإحباط من الظروف التي تحيق بالمجتمع كالظروف السياسية والاقتصادية والامراض السيكولوجية التي تحتاج الى متابعة سريرية وميدانية والابتزاز الالكتروني الذي يعرّض الفتيات للمساءلة العشائرية وغيرها، فضلا عن تعاطي المخدرات.
الكثير من شرائح الشعب العراقي يعيشون في فقر مدقع بل (تحت خط الفقر) مع شحة في الخدمات اللائقة بالحياة الكريمة، فضلا عن الخلل في توزيع الثروات، والعيش في ظروف أسرية بائسة، وحين نضع أيدينا على الاسباب المذكورة آنفاً فلا نستغرب من حدوث حالات انتحار مروعة وبأساليب بعضها مبتكر وأخرى اعتيادية ولشباب يعيشون تحت طائلة الفقر والعوز والمرض وهم يعيشون في بلد  غني ومتعدد الموارد تكفي للعيش في بحبوحة، ان الانظمة السياسية المتعاقبة بسبب فسادها وسوء ادارتها وتخبطها المزمن لم تفعّل الخطط التنموية التي تقلّل من الفقر والبطالة والبؤس فليس من الإنصاف ان يعيش الفرد على النفايات في بلد متخم بالثروات،   صحيح ان المعالجات لا تكون في المواعظ الانشائية او في التقارير بل بالبرامج العملية وعلى أرض الواقع كتحسين الواقع المعيش بتوزيع الثروات بالإنصاف وتقليل الفوارق الفاحشة بين الرواتب ومكافحة البطالة ومتابعة النشاط الاسري في حالة وجود تعنيف أسري ومتابعة قضية المخدرات، وحين يكون هناك الكثير ممن يعانون من التعنيف والتشريد الأسري يكون الحل في تفعيل قانون العنف الأسري وتهيئة فرص عمل مناسبة للشباب العاطلين وفتح مراكز الارشاد الأسري لتهيئة واقع اجتماعي آمن بعيداً عن جو الانتحار.