خرافة العدالة في مفهوم العولمة

آراء 2023/06/24
...

محمد شريف أبو ميسم

ثمة عناوين لا يمكن أن تمرَّ مرور الكرام من دون أن نقف عندها،  ليس لأنّها لافتة بفعل دعائي، بل لأنّها تستفز فينا الرغبة للمعرفة، وحين مر خبر انعقاد “مؤتمر العمل الدولي من أجل العدالة الاجتماعية للجميع” الذي عقد في جنيف في الخامس عشر من حزيران الحالي، استوقفني العنوان للبحث عن أصل الموضوع، فهل هنالك رغبة دولية حقا للعدالة الاجتماعية في ظل هيمنة الكبار وصراع رساميل العولمة على مناطق النفوذ؟.
وللبحث عن الاجابة هنا بين ركام ما يخلّفه لنا الكبار من حروب وصراعات وانتهاكات لسيادة الدول الضعيفة، نحتاج الى الاتفاق على معنى العدالة الاجتماعية في ظل العولمة، وفق ما ورد في “إعلان منظمة العمل الدولية بشأن العدالة الاجتماعية من أجل عولمة عادلة بصيغته المعدلة عام 2022”.
فمنذ نعومة أظفارنا ونحن نجتر مفهوم العدالة الاجتماعية بوصفه نظاماً يدعو لإزالة الفوارق الطبقية في المجتمع الواحد من خلال عدالة توزيع الثروة، وتكافؤ الفرص، وضمان قيام الأفراد بأدوارهم المجتمعية والحصول على ما يستحقونه من المجتمع، وحين اشتد عودنا المعرفي وتوغلنا في قراءة الأضداد الفكرية التي وصلت الينا وواكبنا سنوات من تاريخ الحرب الباردة بين المعسكر الرأسمالي وغريمه الاشتراكي، استوعبنا ما ينطوي عليه مفهوم العدالة الاجتماعية من خلاصات ذات صلة بوجود نظام دولي قائم على السلام والتسامح وخالٍ من المشكلات التي يقف خلفها الفقر وعدم تكافؤ الفرص واستغلال الآخر.
واستوعبنا أن هذا النظام هو اقتصادي في جوهره الاجتماعي والسياسي سواء في المجتمع الواحد أو في منظومة العلاقات بين دول العالم، اذ تنسحب دلالاته على النظام العالمي في تشكيل العلاقات الدولية المبنية على احترام المصالح المشتركة وحقوق وسيادة الدول الأخرى.
وهنا قد نختلف بشأن هذه الدلالات، إلا أن المتغيرات التي شهدها العالم خلال العقود الأربعة الأخيرة، والتي أفضت لعولمة الثقافة والاقتصاد والأمن، جعلت العالم يقف مؤخرا عندها معترفا بحقيقتها،  إذ إن غياب العدالة الاجتماعية لا يقف وراء النزاعات والحروب وحسب، بل يقف وراء العديد من المشكلات والظواهر التي يواجهها عالم اليوم، ومنها ظاهرة الهجرة من الجنوب باتجاه الشمال، وبشكل وبآخر في ظاهرة الارهاب وصولا لظواهر دولية أفرزتها عولمة الانتاج وسوء استثمار الكبار للموارد الطبيعية، واستغلال الدول الفقيرة، فانسحب الأمر على الاختلالات البيئية والتغيرات المناخية في عموم العالم، جراء انعدام العدالة في مفهوم الاستثمار على حساب السكان والموارد الطبيعية، زد على ذلك، لا عدالة اجتماعية من دون سيادة، والعولمة في جوهرها نقيض للسيادة.