هل تراجع اهتمام الناس بالأخبار الثقافيَّة؟

ثقافة 2023/06/24
...

 بغداد: مآب عامر

الأخبار الثقافية في العادة لا تحمل بين طياتها ما يشي بحدوث أزمات أو كوارث تؤثر في المتلقين والبشرية حتى يقفز الشاب حازم إبراهيم، 28عاماً، من مكانه مسرعاً لتغيير القناة التلفازية إلى أخرى، وعندما تسأله لماذا غيرت القناة بشكل متعمد سيخبرك بأن "المحتوى غير مهم". الأمر هذا ينعكس على الكثير من الذين صادف أن التقيت بهم خلال مراحل مختلفة من حياتي.. الغالبية منهم باتوا لا يهتمون بالأخبار الثقافية كالسابق على الرغم من شغف بعضهم بالمطالعة والكتابة، بل أن منهم من يتفادى سماعها في كثير من الأحيان.. لنتساءل: هل تراجع اهتمام الناس بالأخبار الثقافية، أم لا؟

تعدد وسائل الطرح
يقول الشاعر اسامة القيسي: هو ليس تراجعا بقدر ماهو تشعب الوسائل التي تنقل الأخبار الثقافية، لِنقل في السنوات السابقة كان مصدر الأخبار ثلاث صحف وقناة تلفزيونية واحدة. هذه المصادر هي التي تنقل الأخبار حصراً. أما اليوم وفي عصر "السوشيل ميديا" فالمصادر لا تعد ولا تحصى، وهنا تفرقت الجموع التي كانت تشاهد وتقرأ الأخبار الثقافية من مجموعة كبير إلى مجاميع صغير ومشتتة هنا وهناك، لذا نلاحظ من خلالها تراجع الاهتمام.
ويضيف القيسي: على صعيد آخر أصبح الجمهور الثقافي يتلقى أخباره من الفنان والكاتب والمطرب وحتى الرياضي، بل وحتى السياسي مباشرة من خلال متابعة صفحاتهم الشخصية في منصات التواصل الاجتماعي و"السوشيل ميديا"، وهذه الأمور جعلت المواطنين مشتتين بين هذا وذاك، ناهيك عن الأخبار التافهة التي لا تعطي محتوىً جيدا حتى من بعض الذي يدّعون الثقافة.
ويشير الشاعر إلى أن لكل جيل له اهتماته، فمثلا الأجيال السابقة كانت اهتمامهم وتركيزهم على الثقافة أكثر من أي شيء، أما الجيل الحالي فتركيزه - وليس الكل طبعا- على الثقافات المستوردة، مثلا متابعة الإنمي يهمهم أكثر من متابعة خبر ثقافي حقيقي، و"هذا حقهم طبعا فلكل جيل اهتمامه الخاص"، وفقاً لتعبيره.

أزمة القراءة والتلقي
أما الكاتب والشاعر مهند الخيكاني فيقول: صراحة الحديث عن هذا الموضوع/ الظاهرة، هو في الأصل حديث عن أزمة القراءة والتلقي بشكل عام، وهي مشكلة ثقافية في جانب، واجتماعية في جانب آخر، وللسياسة برغم الاختلاف في مجالها، الدور الأكبر في صناعة التخلف، وذلك لكون المجتمعات الأرقى هي دولة المؤسسات التي تضع اهتمامًا متساويًا في المجالات  كافة ، وتحرص على بناء الأسس الرصينة في تشكيل العقل الإبداعي والقرائي المرن منذ بداياتها في المدارس والجامعات ذات الدرس التلقيني لا التأملي المحرض على التفكير، وصولا إلى التظاهرات الثقافية المعروفة في الأدب ومحافل الكتاب من مهرجانات ومعارض وجلسات وندوات وغيرها مهما تنوعت التسميات، التي أُفرغت من محتواها تدريجيًا وأصبحت مجرد فعاليات شكلية تشير إلى نشاط مؤسسة ما، سواء كانت رسمية أو غير رسمية، كما يضيف الخيكاني: لكنه سيسجل كنشاط في جدول تلك المؤسسة، بغض النظر عن وجود متلقٍ لهذا النشاط أم لا، وعادة ما يكون التلقي محدودا ومن دائرة المهتمين والمختصين، فكيف إذا كان من عامة المجتمع؟
ويتابع: يضاف إلى هذا السبب المحلي، سبب آخر، هو التحول الثقافي الذي أحدثته التكنلوجيا منذ الثورة الصناعية، وها نحن اليوم على أعتاب تحول جديد، لعله يحيل كل ما ظنناه ثابتًا ومحوريًا إلى محض رمال متحركة في صحراء التغيير.
ويشير إلى أن الناس صارت تدرك أن مشكلتنا الأساسية ومعاناة الحياة العراقية كامنة ومتجذرة في الاصلاح السياسي، وهو ما يجعل الحلول الثقافية مجرد حضور طارئ وشيء من الترف إزاء هذا الخراب المتزايد. ثم أن ثقافة "الريلز والبوست والتك تك والسناب چات"، ساعدت في تصميم شكل جديد للتلقي قائم على السرعة وقلة الصبر في قراءة الكتب والصحف وحتى المشاهدة إذا كان وقتها أطول قليلاً من وقت قابلياته المشكّلة حديثا على التلقي.

شيءٌ كمالي
من جهته، يقول الإعلامي والشاعر عقيل العلاق: كمثقف واعلامي أرى أن تراجع الاهتمام بالاخبار الثقافية ناتج عن تراجع ثقافي عام اصاب المجتمع نتيجة تعقد الحياة الاجتماعية وازدياد الحاجة للأهم في أولويات الناس.
 ويتابع: فقد ازدادت الالتزامات المادية والاعباء على الاسرة، وهذا ما دعاهم لمتابعة شؤونهم الاقتصادية وترك كماليات الحياة الأخرى والثقافة بمختلف قطاعاتها، اصبحت شيء كمالي بالنسبة لشريحة واسعة من الناس على الرغم من أن الثقافة مهمة جدا لزيادة الوعي وانضاج العقل وتقدم المجتمع.
ويشير إلى أنه اذا ارادت الدولة أن تعيد للثقافة مكانتها السابقة في اهتمام الناس فعليها أن "تكافح الفقر والطبقية داخل المجتمع لتضمن اهتماما متوازنا للناس بمتابعة الشأن الثقافي" وفقاً لتعبيره.

طرق التعامل
أولاً علينا أن نوضح إن كلمة (الناس) بمطلقها، تعني الكل، ولم نعرف سابقاً أبداً إن كل الناس تتابع الأخبار الثقافية، إذ ثمة فئة من الناس هي المعنية بملاحقة الثقافة من منظورها الكتابي والقرائي المحصورة بالأدباء والمثقفين قبل ثورة "اللانفوميديا، ومجتمع المعرفة والانترنيت، والثقافة الرقمية، والشبكية والاتصالات، والسوشيال ميديا، ووسائل التواصل الاجتماعي"، كما يقول الناقد والكاتب عبد الغفار العطوي، الذي يرى أن (الأخبار الثقافية) قبل تحولات الثورة الثقافية من سيميائيات الأنساق الثقافية اللسانية وغير اللسانية، فقد كانت الشغل الشاغل للمثقفين عن طريق الصحف والمجلات والمذياع والتلفاز ذات الطريق الواحد من المرسل إلى المتلقي. ويتابع العطوي: ولأن تلك الحياة الهادئة لم تحقق انتشاراً عولمياً واسعاً عبر قنوات الفضائيات، وتخترق الحدود، وتجعل العالم قرية صغيرة، فإن اهتمام المثقفين بالأخبار الثقافية في خاصية الاشباع المعرفي والتذوقي الجمالي ظل مقيداً محلياً.
ويضيف: لكن مصطلح (الثقافة) في نهاية القرن العشرين، تطور، ليعني كل التخصصات المعرفية والاستهلاكية والتسويقية، التي وصفها بودليار بالعالم الافتراضي، لقد صارت الثقافة تعني (180) مصطلحاً وتعريفاً شملت كل مجالات الكون الإنساني، لكن تراجع الثقافة القرائية والكتابية جاء لصالح الثقافة البصرية، وسيميائية الصورة، لهذا يعتقد العطوي أنه لا يمكننا القول بقلة الاهتمام بالثقافة، بل بطرق التعامل معها التي غيرت صورة الثقافة في العالم.