علي حسين عبيد
يقال إن الفرص الكبيرة قد تمرُّ لمرة واحدة، سواء في حياة الأفراد أو الأمم، ونادرا ما تعود الفرص الكبيرة للشخص نفسه أو الأمة، ولذلك كان التركيز كبيرا على وجوب استثمارها قبل أن تمر من فوق الرؤوس كالسحاب، كما نبّه إلى ذلك الإمام علي، فالفرص الكبيرة نادرة والتهاون معها وتضييعها يعد من الأعمال السفيهة، ويجرّنا الكلام هنا إلى الموازنات العراقية المالية الانفجارية، وآخرها الموازنة الثلاثية 2023، 2024، 2025. التي تم تمريرها بعد التصويت عليها قبل أيام من قبل مجلس النواب العراقي.
هل صحيح ضيّع العراقيون موازنات انفجارية سابقة، وإذا كان الجواب بالإيجاب، نعم لقد ضيعت الطبقة السياسية أكثر من موازنة انفجارية، ولم تنعكس هذه الموازنات الهائلة على الحياة العراقية، فالخدمات أغلبها تعاني من الخلل، والكهرباء شبه غائبة خاصة في فصل الصيف، والصناعة تترنح بسبب استمرار غلق مئات المعامل عن العمل مع تقديم الرواتب الشهرية لمنتسبيها من خزينة الدولة وأموال الشعب من دون انتاج، أما الزراعة فهي لا تقل ضمورا وتدهورا عن المجالات الأخرى، وهكذا تم إهدار مئات المليارات من الدولارات بسبب سوء الإدارة المالية، والقصدية المسبقة في تضييع أموال العراقيين وسرقتها.
ولنقل إن ما فات فات، وأن أخطاء الماضي للناس الأحرار العقلاء تصبح دروسا مهمة، حتى يتحاشى العراقيون تكرارها، فهل يُعقل مثلا أن الميزانية الثلاثية الانفجارية تضيع هدرا كما ضاعت سابقاتها؟، وهل يقبل المسؤولون (قادة الدولة بمختلف عناوينهم ومسمياتهم ومراكزهم الوظيفية) بهدر عشرات المليارات من الدولارات مرة أخرى، الجواب المنطقي أن ما يجب أن يتم هو التعلم من هدر الموازنات السابقة، لا سيما أن العراق بات اليوم على المحك، فهو يعاني من الفقر المدقع، ويعاني من شح المياه بسبب التغيّر المناخي، ويعاني من مشكلة الهجرة السكانية الخطيرة من الريف إلى المدن، فإذا لم يتم التعامل مع هذه المشكلات بطريقة جادة وعلمية، فإنها سوف تتسبب بأخطار جسيمة تتهدد حياة العراقيين، ولا نبالغ إذا قلنا قد نصل إلى درجة التهديد المصيري الوجودي.
لهذا من الحتمية بمكان أن يتم استثمار الميزانية الثلاثية الجديدة أقصى الاستثمار، وأن يُصرف كل دينار أو دولار منها في مكانه الصحيح، ومن المهم أن يقر الساسة العراقيون، بأن هذه الميزانية هي الفرصة التي لن تتكرر لتصحيح الأمور الاقتصادية وإعادتها إلى نصابها الصحيح، وعليهم جميعا أن يسعوا إلى عدم تكرار حالات الهدر المالي الواسعة كما حدث في الميزانيات الانفجارية السابقة.
ليس صعبا ولا مستحيلا عدم تكرار الأخطاء والتجاوزات الماضية التي حدثت في الموازنات السابقة، كل ما في الأمر تشريع القوانين القوية الصارمة لحفظ المال العام، ومن ثم العمل الجاد على تطبيق هذه القوانين على الجميع من دون استثناء، فأمام قانون حفظ أموال العراقيين لا يوجد كبير ولا مسؤول مستثنى ولا أي سياسي مهما كانت صفته وعنوانه، وليكن شعار المرحلة القادمة قولا وفعلا (لا للتجاوز على أموال العراقيين مطلقا).