«دنانير» عبد الكريم قاسم

آراء 2023/06/26
...

حمزة مصطفى

سمعنا على مدى العقود الستة الماضية الكثير عن “ثروة” عبد الكريم قاسم (أُعدم عام 1963), هذه الثروة التي يقدرها الخبراء والمطلعون وغير المطلعين وكتاب التاريخ وغير كتابه بأنها تتراوح بين الـ 750 ديناراً عراقياً, أكرر 750ديناراً عراقياً, وبين 3 دنانير وربع دينار عراقي, أيضاً أكرر عراقي.
لنبدأ من الأخير أي من الـ 3 دنانير وربع التي “شمرها” عبد الكريم قاسم على الطاولة أثناء الحوار الذي قيل إنه جرى بينه وبين عبد السلام عارف (مات بحادث طائرة عام 1966) في دار الإذاعة قبيل إعدامه (إعدام قاسم) بدقائق معدودات.
هذه الواقعة الأخيرة جاءت على لسان الدكتور حميد عبد الله عبر قناته على اليوتيوب “تلك الأيام” الأسبوع الماضي نقلاً عن كتاب صادر حديثاً للسياسي العراقي المخضرم مكرم الطالباني(96 سنة).
هذه ليست كما قلت هي المرة الأولى، التي يجري الحديث فيها عما كان يملكه الزعيم عبد الكريم قاسم، الذي فجَّر مع زميله عبد السلام عارف ومعهم ثُلَّة ممن سموا الضباط الأحرار ثورة 14 تموز عام 1958، التي بدأت بجريمة لا تغتفر وهي مقتل العائلة المالكة عن بكرة أبيها فجر ذلك اليوم.
وبصرف النظر عما قيل إن تصفية العائلة المالكة تمت بقرار غير معلن من قبل قادة الثورة ونفذه عبد الستار العبوسي, أحد الضباط المشاركين في التنفيذ وكانت حصته قصر الرحاب, أم هو قرار فردي من العبوسي فهو لعنة كانت ولا تزال تلاحق كل من قام بهذا الفعل عمداً أو غير عمد.
ففي حال كان قرار التصفية عمداً وهو ما يختلف بشأنه المؤرخون فهو وصمة عار لا تمحوها السنون.
وفي حال لم يكن عمداً فإن هذا يدل على أنَّ المخططين للثورة ومنفذيها لم يخططوا لشيء، وإنما نفذوا مادبروا له بليل أثناء مرورهم ببغداد في طريقهم إلى الأردن بصرف النظر عما كتب عن تنظيم الضباط الأحرار وطبيعة ما كان يدور بداخله لجهة الإعداد للثورة، التي بدأت بمأساة واستمرت المأساة حتى اليوم باعتبار أن يوم الرابع عشر من تموز فتح باب جهنم على العراقيين على كل المستويات.
بالعودة إلى دنانير عبد الكريم قاسم فإن القول بنزاهته الشخصية أمر لا يحتاج إلى أدلة.
فالرجل كان نزيها فعلا بصرف النظر عن كمية النقود التي كان يحملها في جيبه لحظة إعدامه.
لكن السؤال هو.. هل كان عبد السلام عارف مثلاً وهو رفيق قاسم أول الأمر وخصمه العنيد في ما بعد الذي تسبب بإعدامه فاسداً؟
المؤرخون والكتاب والمقربون والدلائل كلها تشير إلى أنَّ عارف كان هو الآخر نزيهاً مثله مثل سواه من كبار مسؤولي «ذاك الوكت».
سؤال آخر هل كان قاتل العائلة المالكة العبوسي، الذي بقي يصارع القلق والكآبة والسوداوية حتى انتحاره بعد سنوات فاسداً مالياً؟
أكيد لا لكنه مجرم.
إذن هل النزاهة وحدها هي المعيار الوحيد لتقييم المسؤولين والقادة؟
لست أريد التقليل من تكرار الحديث عن نزاهة المرحوم عبد الكريم قاسم ودنانيره الثلاثة لكنني في الوقت نفسه لست أريد حصر مسألة تقييم الأشخاص والزعامات بالنزاهة الشخصية وحدها.
بل لا بدّ من مقومات أخرى تصبح حيالها النزاهة أحد شروط التقييم وليست هي الشرط أو العامل الوحيد.
القصة تبقى في كل الأحوال معيارية بين النزاهة والفساد وليست حكم قيمة.
لكننا وبسبب طبيعة الفساد المعاصر لم يعد أمامنا سوى أن نتباهى كل عقد من السنين.. بدنانير عبد الكريم قاسم الثلاثة.