ميادة سفر
منذ عصر هوميروس والمؤرخون يكتبون عن الحروب، محاولين استعراض الحوادث والأحداث التي جرت وأدَّت إلى تلك الصراعات وأسباب سقوط وصعود إمبراطوريات ودول، لطالما مثلّ العنف السمة الأكثر بروزاً في تاريخ البشرية منذ العصور القديمة، اعتقد البعض أنّ الحربين العالميتين الأولى والثانية ستكونان آخر الحروب العالمية المدمِّرة التي أُبتليت بها البشرية خلال القرن العشرين، وقد حاول المنتصرون القيام ببعض الأعمال والمشاريع والإجراءات للحيلولة دون اندلاع حروب أخرى في أوروبا، ومن الواضح أنّ المنتصرين في الحرب العالمية الثانية وإن تمكنوا ونجحوا إلى حدٍ ما في جعل أوروبا منطقة آمنة، إلا أنهم فشلوا في درء الحروب حول العالم عبر تمويلهم لمئات الحروب وتأجيج الأزمات التي راح ضحيتها آلاف الأفراد.
رأى بعض الباحثين أنّ الديمقراطيات لا تحارب بعضها البعض، إلا أنّ الواقع الدولي يشير إلى أنّ الدول الديمقراطية لا تقلّ عدوانية عن غيرها، وأنّ تلك الدول التي تنعت غيرها بالديكتاتورية والاستبداد تعود لتمارسها على مواطنيها حيناً أو مواطني الدول الأخرى تحت ذرائع وحجج واهية، ليس أولها نشر الديمقراطية ولن يكون آخرها مكافحة الإرهاب.
اعتبر مايكل هاورد الباحث في تاريخ الحروب بأنّ «أسباب الحرب لم تتغير جوهرياً على مرّ القرون، فما اعتبره ثوسيديدس سبباً للحرب البيلوبونيزية، وهو تنامي قوة أثينا والخوف الذي سببه لدى إسبرطة، هو نفسه يمكن اعتباره سبباً في اندلاع الحرب العالمية الأولى»، وقد تناولت أدبيات العلاقات الدولية الحرب وأسبابها ودوافعها من وجهات نظر مختلفة، مشيرة إلى وجود أربعة عوامل دفعت الدول إلى خوض الحروب وهي: الخوف والمصلحة والمكانة والانتقام، ولعل أهم تلك الدراسات التي تناولتها من وجهة نظر واقعية، والتي افترضت أنّ الأمن كان دائماً الهم الأساسي للدول، وبالتالي أدى فقدانه أو الخشية من فقدانه إلى اندلاع الحروب فكان السبب الرئيس لها، إلا أنّ أسباباً أخرى لا تقل أهمية أدت إلى نشوب الحروب بين الدول في مقدمتها السيطرة على الموارد الطبيعية في البلد
المستهدف.
الكثير من الأسئلة تتبادر إلى الأذهان عند الحديث عن الحرب، من بينها لماذا تحدث الحروب؟
وهل اعتاد البشر على القتال والحرب لدرجة لم يعد بإمكانهم العيش بسلام؟
وما تفسير كل هذا العنف المنتشر في العالم؟
هذا وغيره الكثير مما يدور في أذهان الكثيرين وهم يتابعون أخبار عشرات الحروب حول العالم، محاولين إيجاد تفسير لما يجري.
لم يكن التاريخ البشري إلا سلسلة من الحروب التي يبدو أنها لن تنتهي، إذ تشير كتب التاريخ إلى أنّ أوروبا وحدها شهدت في الفترة الممتدة بين عامي 1740 _ 1897 حوالي 230 حرباً، وبمعدل أكثر من ثلاثين مليون من الضحايا، بينما تجاوز تعداد ضحايا الحرب العالمية الثانية الخمسين مليون شخصاً، ولم تكن المنطقة العربية بمنأى عن الحروب، بل إنّ لها تاريخ حافل في القتال وشنِّ الحروب والغزوات فيما بينها أو مع دول أخرى، وما زالت الوقائع تسجل سنوياً اندلاع الحروب في الدول العربية لا سيما تلك التي تنطوي تحت مسمى الحرب الأهلية حين يقتل أبناء البلد الواحد بعضهم بعضاً بحثاً عن سلطة وفرض هيمنة.
جرت الكثير من المحاولات لتفسير الحروب ولجوء البشر إلى العنف، فقد اعتبر علم النفس التطوري أنه من الطبيعي لجوء البشر إلى الحرب والقتال مدفوعين بالرغبة في البقاء، حيث يلجؤون إلى العنف لمجرد الشعور بالتهديد من قبل الآخرين، بينما نفى علماء الأنثروبولوجيا تلك الادعاءات مشيرين إلى أنّ الحروب كانت نادرة في المجتمعات البدائية وأنّ عمر الحروب لا يتجاوز العشرة آلاف عام.
أياً تكن التفسيرات ومهما كانت الأسباب لا شيء يبرر القتل والدمار وتشريد وتهجير آلاف الأفراد، لماذا الحرب؟
سؤال سيبقى معلقاً إلى أن تدرك البشرية جدوى السلام والأمان الذي من شأنه الحفاظ على هذه الأرض، والإيمان بأننا كبشر نستحق الحياة.