الانتخابات البرلمانيَّة الإيرانيَّة.. محددات أوليَّة

آراء 2023/06/26
...






 محمد صالح صدقيان

في الوقت الذي تنخرط فيه الحكومة الايرانية في المحادثات الاقليمية والدولية من اجل اعادة صياغة علاقاتها مع المجتمعين الإقليمي والدولي علی خلفية الاتفاق النووي وتنفيذ صفقة تبادل المعتقلين والافراج عن الودائع المالية المجمدة؛ ينشغل المشهد الايراني باستحقاق سياسي داخلي لا يقل أهمية عن التطور الخارجي، حيث تم تحديد تاريخ الاول من مارس اذار القادم موعدا لاجراء    الانتخابات البرلمانية في دورتها الثانية عشرة.
وخلال كلمته بمناسبة ذكری رحيل الامام الخميني في الرابع عشر من يونيو حزيران الجاري وصف مرشد الجمهورية الإسلامية الإمام علي خامنئي الانتخابات القادمة «مهمة جدا»، مشيرا إلى أن «العدو وجه مدافعه من الآن لمواجهة هذه الانتخابات».
وتأتي أهمية هذه الدورة من الانتخابات لأسباب تتعلق بالتطورات الداخلية والخارجية علی حد سواء.
فهذه الانتخابات تجری بعد الاحتجاجات، التي شهدتها إيران علی خلفية وفاة الشابة مهسا أميني، حيث تسعی المعارضة الإيرانية خارج ايران العمل علی إقناع الناخب الإيراني عدم التفاعل مع هذه الانتخابات ومقاطعتها كمؤشر علی معارضة الشارع للنظام السياسي؛ في الوقت الذي يسعی النظام إلى جعل الانتخابات وتوجه الجمهور لصناديق الاقتراع «استفتاء» جديد علی التفاعل الشعبي مع النظام السياسي؛ ورغبته في زيادة نسبة المشاركة الجماهيرية، التي كانت متدنية إلى حدٍ كبيرٍ في الانتخابات السابقة التي جرت في 21 فبراير شباط من العام 2020 قياسا بالدورات الانتخابية السابقة بسبب أوضاع جائحة كورونا، إضافة إلى تشديد مجلس صيانة الدستور مع لوائح المرشحين.
الأمر الثاني؛ أن عديد الدوائر الرسمية والشعبية والدينية تذعن بضعف تركيبة البرلمان الحالي وفقدانه لممارسة عمله التشريعي والرقابي لمعالجة مشكلات المواطنين الاقتصادية والاجتماعية، والذي أدی إلى ضعف واضح في الأداء في مختلف المجالات.
بينما يشكل الأمر الثالث غياب عناصر فاعلة في المشهد السياسي الايراني عن مصادر القرار لصالح أوساط متشددة راديكالية سببت – كما تعتقد العديد من الأوساط – إلى تفاقم المشكلات، ومنها التي أدت إلى الاحتجاجات الاخيرة التي شهدتها المدن الايرانية؛ ناهيك عن استبعاد عناصر التيار الاصلاحي، الذي اتخذ مجلس صيانة الدستور بحقه برنامجا متشددا في النظر لصلاحية أعضائه لخوض الانتخابات البرلمانية السابقة.
اما الأمر الرابع؛ فإن نتيجة هذه الانتخابات ستؤثر بشكل واضح في ملامح الرئاسة الإيرانية في الانتخابات، التي تجری في العام 2025 حيث تنتهي الدورة الاولی لرئاسة ابراهيم رئيسي.
واذا ما استثنينا التيار الاصلاحي الذي لم تعرف بعد مواقفه من الانتخابات البرلمانية القادمة، التي ترتبط بشكل مباشر مع مواقف مجلس صيانة الدستور المتعلقة بصلاحية المرشحين؛ فان التيار الاصولي الذي يهيمن حاليا علی دوائر القرار تتقاذفه اتجاهات متعددة ووجهات نظر مختلفة وغير متفقة بشأن عديد المواضيع والبرامج الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تهم المواطن الايراني.
 واستنادا إلی ذلك يمكن تقسيم التيار الأصولي إلى ثلاثة اتجاهات اساسية فاعلة في هذا التيار.
الاتجاه الأول؛ الذي يمكن توصيفه بـ «اليمين الجديد»، الذي يتزعمه رئيس مجلس الشوری السابق علي لاريجاني، ومعه نائبه في المجلس المذكور محمد رضا باهنر.
الاتجاه الثاني؛ الذي يمكن توصيفه بـ «اليمين الراديكالي»، الذي يتجسد بحزب بايداري «الصمود»، الذي كان قريبا من الرئيس السابق محمود احمدي نجاد؛ ويحسب إلى حد بعيد علی المرجع الراحل محمد تقي مصباح يزدي.
الاتجاه الثالث؛ فهو الذي يمكن وضعه في خانة «اليمين الوسط»، الذي يتزعمه رئيس مجلس الشوری البرلمان الاسبق غلام رضا حداد عادل ومعه رئيس البرلمان الحالي محمد باقر قاليباف.
وبطبيعة الحال فإن تواصيف اليمين واليسار؛ واليمين المعتدل والراديكالي ليس بالضرورة أن تكون منسجمة مع الواقع المعاش في الميدان؛ كما أن هذه المصطلحات قد تختلف مدلولاتها عما كانت عليه قبل ثلاثين عاما.
 لكن لجأت إليها لأسباب تتعلق بمقتضيات دراسة المشهد السياسي والانتخابي الايراني.
 لا أريد الدخول في تفاصيل المشهد الانتخابي بكل تفاصيله ولربما تناولته في قادم الايام ؛ لكن الأكيد أن الأصوليين لن يدخلوا هذه الانتخابات بقائمة واحدة، بل المرجح دخول «اليمين الجديد» و»اليمين الوسط» بائتلاف ضمن قائمة واحدة لمواجهة «اليمين الراديكالي»، الذي يملك مواقف متشددة حيال القضايا الاقتصادية والاجتماعية، وتحديدا بشأن الية التعاطي مع «قضية الحجاب»، التي أصبحت الشماعة التي ترقص حولها المعارضة الايرانية.
وبطبيعة الحال فإن متبنيات هذه الاتجاهات تختلف في تصوراتها بشأن المفاوضات مع الغرب؛ والعلاقة مع الشرق؛ وآلية معالجة المشكلات الاقتصادية؛ ونظرتها لاداء حكومة الرئيس ابراهيم رئيسي؛ كما تختلف في قضية اعطاء المسؤوليات الحكومية لشخصيات ذات خلفية عسكرية ثورية، كما هو الواقع في حكومة الرئيس ابراهيم رئيسي.
وبناء علی ذلك؛ فان نتائج هذه الانتخابات سوف تكون مهمة كما وصفها المرشد الأعلی، سواء للوضع الداخلي الايراني أم للتعاطي مع المتغيرات والتطورات الخارجية، ولربما تطرقنا لهذه الانتخابات وخارطتها السياسية، عندما تتوضح صورتها وأبعادها ومحدداتها السياسية والحزبية  والمناطقية.