صفاء الليثي
منح مركز السينما العربية، ضمن فعاليات مهرجان كان السينمائي 76 جائزة "الإنجاز النقدي" للناقدة المصرية صفاء الليثي، وهو خبر سعيد حقاً، فالزميلة الليثي التي تواظب على الكتابة في صفحة سينما "الصباح"، واحدة من الناشطات السينمائيات في المشهد السينمائي العربي والعالمي. وبهذه المناسبة خصت الليثي "سينما" بنص مفعم بالصدق والبساطة عن سيرتها الفنية والنقدية.
في معهد السينما الذي درست وتخرجت فيه لم تكن لدينا مادة نقد سينمائي، كانت المادة بعنوان تذوق سينمائي، أستاذها الناقد ومهووس السينما د. رفيق الصبان، كان يختار لنا غالباً من السينما الفرنسية فيلماً يعرضه ثم يحلله لنا ويسألنا عن رأينا، أحببت مادته وإن تعلقت أكثر بسينما روسية وتشيكية وإيطالية قريبة من يساريتي. وفي حياتي العملية في المونتاج وجدت أن الحس النقدي للمادة المصورة ونحن نعمل على مونتاجها كان أهم ما يميز المونتير الذي تدربت على يديه المونتير الكبير سعيد الشيخ والمونتير الكبير بمدرسة مختلفة تماماً أحمد متولي..
المونتير في رأيي هو الناقد الأول للفيلم ودوره كناقد هو ما يقوي السرد ويعزز الاختيارات من بين اللقطات المكررة للمشهد الواحد.
في لحظات توقف العمل في المونتاج تابعت مهرجانات السينما في القاهرة والإسماعيلية، وتحمست للتعبير الشفاهي عن رؤيتي للفيلم قبل أن أنصح بالكتابة لأني كما قيل لي أجيد التعبير عن رأي، وكانت البداية دفاعاً عن فن المونتاج الذي يبدأ من السيناريو، نشر المقال بمجلة الفن السابع المتخصصة وأحدث صدى طيباً، وطُلب مني أن أكتب أكثر وقد كان، وجدت دوري أن أقف بجوار السينما الجديدة والمختلفة والسينما المنسية القصيرة والتسجيلية، لم أعتقد يوماً أن ناقد السينما قاضي فن يحكم على الأفلام وصناعها، وتعريفي عن النقد أنني مررت بتجربة إبداعية سحرتني وأحب أن أشرك الآخرين بتجربتي هذه، وهكذا كنت أبحث عن الجمال في الأعمال ولا أشغل نفسي بتفنيد عيوب أعمال أرفضها، أنحاز وأشجع الأعمال التي تمتعني وأكتب عنها برغبة ليتحمس من يقرأ ويذهب ليشاهد الفيلم، كتبت مرة عن فيلم "مالينا" الإيطالي وقابلت بعدها طبيباً مهووساً بالسينما قال لي إن مقالي جعله يبحث عن الفيلم ويشاهده، وإنه شاركني الإعجاب به.
وتكرر الأمر وتأكدت من أن دور الناقد الكشف عن مناطق الجمال والإشارة إليها لتنبيه الغير.
أجد فن السينما إبداعاً ونقداً فناً للجميع، حيث لا يتطلب حضور فيلم ارتياد مسارح غالية الثمن ولا طقوساً للمشاهدة بارتداء أغلى الملابس، بل وجدت السينما جزءاً من الحياة، أتجول في شوارع وسط البلد، أشتري كتاباً، آكل الآيس كريم، أقطع تذكرة وأتفرج، أشاهد بتركيز وأخرج من الفيلم إذا أعجبني ورأسي مرفوع وكأنني شاركت في صنعه.
أحترم صناع السينما وتكون سعادتي كبيرة حين أكتب مقالاً مطولاً عن مخرج أو مونتير بادئة بتحليل أفلامه، الناقد بالنسبة لي ليس شخص فشل أن يحقق إبداعاً يخصه فتحول إلى انتقاد المبدعين، بل متلقٍ يفرحه أن يحقق السينمائي عملاً به فكرة نجح في التعبير عنها ليشارك الآخرين في ما يشغله.
الناقد كما سمير فريد يقدم المبدعين أصحاب الأعمال الأولى للناس ويشير إلى جهدهم، يتحمس لهم بحب، وهذا ما أفعله مع صناع الأفلام وصانعاته في تجاربهم الأولى، أرفض القسوة عليهم فأبذل جهداً في فهم عملهم، أترك نفسي للعمل وقد أعيد المشاهدة بتأنٍ لأحلل كل "تفصيلة" ظهرت في اللقطة، المخرجة عطيات الأبنودي توقفت مرة عند تحليلي للانتقال من لقطة في فيلم لها إلى لقطة أخرى، قالت إنها لم تفعلها عن قصد وإن الناقد التقط دلالة ظهرت لديها بشكل عفوي.
بالطبع أجد مفتاح العمل من داخله، في الدقائق الأولى يضعني المخرج على الطريق لفهم رسالته وقد يتركني في حيرة أو يلهيني بحيل تقنية، ومهما تعرضت لتجارب إبداعية مختلفة فإنني أذكر نفسي بأن الصانع بذل جهداً في عمله وأنني مطالبة ببذل بعض الجهد لأتذوق عمله، أحبه أو أكرهه.
هل هناك في النقد أن تحب أو تكره، نعم يمكنني أن أحترم عملاً ولا أحبه، كما يمكنني أن أحب عملاً أسرني ببساطته وجعلني أكتب عنه بما يجعل آخرين يشعرون بمدى أهميته.
بعض النقاد يحلو لهم أن يخالفوا الجموع ويتعالوا عما يحبونه، أرفض هذا التعالي وأصدق المثل الأميركي أن لكل منا مهنتين، مهنته ومهنة ناقد سينمائي، فمن حق الجميع أن يعبروا عن تلقيهم للعمل وأن يستمتعوا مرة أو مرات، تعلمت النقد من أمي التي كانت تضحك وهي تلخص فيلماً مصرياً قديماً منتقدة تكرار فكرته (اثنين بيحبوا بعض تحصل لهم مشاكل، وبعدين تتحل ويتجوزوا في الآخر) وتعلمت أكثر من أخي الفنان التشكيلي الذي صحبني لأول فيلم طويل في دار عرض كبيرة، إذ شاهدنا "هاملت" في سينما أوديون، و"الموت في فينيسيا" في سينما راديو، و"انتهى التحقيق المبدئي" في ريفولي.
بفضله أحببت السينما ومارست النقد أثناء المونتاج وفي الكتابة ومع اختيار الأفلام للمشاركة في المهرجانات، ويكون حماسي كبيراً حين يعجب الزملاء ببرمجة شاركت في اختيارها وعندما تتوافق أحكامي مع لجان تحكيم متخصصة من بلدان مختلفة.
أستمتع بممارسة النقد وأتمسك بانحيازي لسينما تدهشنا كل يوم بالجديد.