توقيف المرأة

آراء 2023/07/04
...

  جمانة جاسم الاسدي

يعد الخوض في موضوعات المرأة الأكثر أهمية واثارة للجدل في الأوساط الثقافية والفكرية والاجتماعية في العالم العربي، لاسيما في الوقت الحاضر، والتوقيف بشكل عام من الموضوعات المهمة التي لها علاقة وثيقة بحقوق وحريات الانسان، وأهميته منفردة لا سيما اذا ما تعلق الامر بتوقيف المرأة، وهو يعد من أخطر إجراءات التحقيق وأكثرها مساسًا بحرية الفرد الشخصية، التي تعتبر من الحقوق الطبيعية للإنسان والمعلن عنها عالميًا، فشكلت هذه المسألة، وهي توقيف المرأة في القانون العراقي محور جدل وتساؤلات، ولكون المجتمع العراقي تغلبه الصبغة العربية الإسلامية في التحفظ بالتعامل مع المرأة.
 فقد أولى الإسلام للمرأة اهتمامًا كبيرًا ونظر إليها نظرة تكريم واحترام واعتزاز عظيم، فالمرأة هي الأم والأخت والبنت والزوجة والمربية الفاضلة، وقد كلفها الله مع الرجل في النهوض بمهمة الاستخلاف في الأرض وتربية الأبناء والأجيال وتنشئة نشأة سليمة، وقد نقش الخالق في أصل الخلقة أن المرأة والرجل من جنس واحد وهو الإنسانية، وقد حفظ الإسلام للمرأة كرامتها وسمعتها، ومنحها من الحقوق ما رفع مكانتها وأعلى من شأنها مقارنة مع ما كانت عليه قبل الإسلام.
 فيرفض الإسلام وبشدة التعدي على حقوق المرأة وحرياتها، كتجريمه لقتل النساء أو الفتيات لمجرد الشك في تصرفاتهن أو اخلاقهن وشدد من طرق التيقن في ذلك، فالإسلام يُخضع المسلمون لشرع الله وليس للعادات والتقاليد البالية، والشرع هو الحاكم عليها وليست العادات هي الحاكمة عليها.
 أما من حثيثة توقيفها، فيتم التوقيف عادةً في الجرائم الجنائية التي تشكل خطرًا على المجتمع، ويجب أن يتم وفقًا للإجراءات القانونية المنصوص عليها في القانون، كما يجب أن يتم تنظيم إجراءات التوقيف بموجب الأحكام المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية العراقي رقم 3 لسنة 2001م، وعدم تجاوز الحدود المسموح بها من القانون، وذلك لضمان احترام حقوقها الإنسانية الإسلامية وكرامتها البشرية.
 التوقيف هو اجراء من إجراءات التحقيق في الدعوى يصدر من قبل الجهة المختصة بالتحقيق، وينصب على تقييد حرية المتهم لحسن سير إجراءات التحقيق والتحرز عليه، وهو وسيلة لفرض قيود على حرية الشخص المتهم في التنقل وذلك لفترة وجيزة ومحددة، وقد تطرق المشرع الدستوري العراقي للنص عليه في المادة 19 من دستور 2005م النافذ، ليؤكد خضوعه للإمكان المخصصة له، وفق قوانين السجون المشمولة بالرعاية الصحية والاجتماعية والخاضعة لسلطات الدولة.
 أما في الإسلام فلا تختلف حقوق المرأة عن حقوق الرجل في حالة التوقيف، ومن أهم حقوق المرأة في حالة التوقيف، هو الحق في الكرامة والعدالة، فيجب أن تحترم المرأة لا سيما كرامتها ولا يجوز تعريضها لأي أذى أو اذلال، ولها الحق في الدفاع عن نفسها والحصول على محامٍ للدفاع عنها، وكما يجب اطلاق سرحها لحين تثبت ادانتها بدليل قاطع، وألا يتعرض حقها في الحرية والكرامة لأي انتهاك، أو إلى حين النظر في قضيتها، كما يجوز للمرأة الموقوفة دفع كفالة للإفراج عنها بصفة مؤقتة.
 أكدت الإعلانات والاتفاقيات الدولية ودساتير الدول ض رورة عدم المساس بحرية الفرد الشخصية إلا في الحالات التي يجيزها القانون، والتوقيف هو اجراء ماس بالحرية شُرّع لمصلحة التحقيق بأمر يصدر من القاضي المختص في جرائم معينة تسلب بمقتضاه حرية المتهم بإيداعه السجن لمدة معينة متى توافرت الدلائل الكافية، فالتوقيف يعد عقوبة لا يجوز فرضها إلا بمقتضى حكم قضائي، وحرية الفرد وكرامته، سواء أكان رجلًا أم امرأة هي أثمن ما في الوجود، يتجلى الإحساس بها بشكل واضح عندما يتم تقييدها، فهي بهذا الترتيب تتعلق بكيان الفرد وكينونته.
 يتضح من المنظومة التشريعية العراقية أنها ذكرت وبقرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم (101) لسنة 1999م الذي منع توقيف المرأة في الجرائم غير العمدية سواء في مرحلة التحقيق، أو المحاكمة، وعلى وفق النص الاتي: «أولًا– لا يجوز توقيف المرأة المتهمة بجريمة غير عمدية خلال مرحلتي التحقيق والمحاكمة حتى صدور قرار أو حكم فاصل في الدعوى...»، عليه لا يمكن توقيف المرأة في حالة ارتكابها المخالفات وحوادث الدهس أو الجرائم غير العمدية عامةً، إنما تتوقف لجريمة عمدية فقط، ووفقًا لضوابط معينة إلى أن تثبت إدانتها، أو براءتها بحكم قضائي، ويمكن ضمان عدم تعرضها للمضايقة في عملية التوقيف والاحتجاز ويجب ان تتم معاملتها بشكل عادل ومنصف.
 فيتجلى للباحث أنّ الغاية الأساسية من عدم توقيف المرأة في العديد من الأنظمة هو لتقليل الضرر النفسي والاجتماعي الذي يمكن أن يطولها، وتتعرض له المرأة اذا ما تم توقيفها مقارنة مع الرجل، مما يترتب على ذلك تداعيات سلبية على وضعها الاجتماعي كونها أمًا، أو زوجة، أو أختا، أو بنتا، والتأثير مجتر على مستوى علاقاتها العائلية والاجتماعية تباعًا.
ختامًا أجاز لنا السياق أن نوصي الجهات المعنية بضرورة تلافي الحالات الفردية المهينة، لتوقيف المرأة في بعض المناطق كونها لم تراعِ المبادئ الإسلامية ولا الاجراءات القانونية، أو حتى القيود المجتمعية في توقيف المرأة، فشخصنا بعض المخالفات التي يندى لها الجبين، كما ونتأمل توفير الحماية اللازمة للمرأة في حالة تعرضها للتوقيف عن خطأ أو توقيفها عن دعاوى كيدية، فيجب ألا تتعرض للتعذيب، أو المعاملة اللاإنسانية، أو المهينة لاسمها ولذويها، كما يجب أن يتم التعامل معها بكل ما من شأنه حفظ كرامتها، خاصةً العزل في التوقيف عن الرجال والتوقيف في أماكن لائقة مرعية لشروط الصحية والاجتماعية والعناية التي سبق وإن أشرنا إليها من الدستور.