سالم مشكور
ماريا كانت محظوظة لأنها حظيت بتغطية واسعة كانت أشبه بحملة على وسائل التواصل، فكانت فرصة للبعض لدعمها، انطلاقا من واجب وظيفي، وللآخر كسباً للسمعة والتظاهر بدعم المظلومين، بأموال هي بالأساس محل شبهة كبيرة.
ما حدث لصاحبة الكشك له بعدان، الأول: موضوع الباعة المتجاوزين على الأرصفة والأماكن العامة، أما الثاني فهو: الابتزاز الذي يمارسه ممثلو أمانة بغداد والوزارات والمؤسسات الأخرى ضد أصحاب المصالح الخاصة.
في البعد الأول فان واجب الحكومة إيجاد البدائل قبل قمع المخالفات.
البدائل هي أكشاك موحدة على أراضٍ حكومية أو في أماكن مختارة في الشوارع، لا تؤثر في حركة سير المارة أو السيارات، ووفق ضوابط وشروط تعطيها بعدا جمالياً موحدا بدل العشوائية.
هكذا تتم المعالجة في كل دول العالم.
فمن غير المعقول أن تسكت الدوائر المعنية عن المخالفات حال انشائها وتتأسس عليها معيشة أسر، ثم تجري ازالتها دون بدائل.
الحكومة التي تعجز عن إيجاد فرص عمل للناس عليها أن تقدم التسهيلات، على الأقل، لمن يريد أن يخلق مجال عمل له.
في البعد الثاني، فإن المخالفات تشكل ذريعة للابتزاز، الذي يمارسه أصحاب نفوس حقيرة اعتادت على أكل الحرام من بعض مراقبي أو مندوبي أمانة بغداد أو المحافظات والوزارات المعنية.
وهذا ما يتم على نطاق واسع في كل الأسواق تقريبا.
صاحب محل تجاري يريد تغيير بلاط محلّه، فيأتيه من يدعي تمثيل الأمانة أو المحافظة، ويهدده بقطع وصل غرامة له، ثم يعرض عليه أخذ نصف الغرامة دون وصل، وفي اليوم الثاني يأتي شخص آخر يدعي أنه من الجهة ذاتها ويطالب بالشيء ذاته، مدعيا أن الأول نصّاب وأنه هو المسؤول وهكذا.
بعضهم لا يجد ما يمسيه مخالفة، فيلجأ إلى اختلاق ذريعة وادعاء ضوابط لا علاقة لها بصاحب المحل وطبيعة عمله.
مثلا، وهذا حدث في وسط بغداد لأحد التجار ومثله كثيرون.
محل يبيع مكيفات الهواء، يأتيه مندوب وزارة العمل فيطلب منه شهادة فنية أو يدخل دورة في الوزارة للحصول عليها.
وعندما يحاججه بأن عمله بيع الأجهزة فقط، وليس التصليح يصرّ المندوب على أن التعليمات تشمله أيضا، وأنه يستطيع غضّ النظر عنه، إذا دفع له «المقسوم».
قرر صاحبنا عدم الدفع واجتياز هذه الدورة، فقالوا له إن دخولها يشترط وجود شركة مسجلة، ويعلم الجميع أن تسجيل الشركة يحتاج لجهد سنوات ودفع رشاوى لا تحصى.
لا يتوقف الابتزاز عند مندوبي الأمانة والمحافظات والوزارات بل يتعداه إلى السيطرات الأمنية التابعة للجيش أو الداخلية.
صاحب المحل نفسه هذا لديه مخزن في أطراف بغداد، لكنه لا يستطيع إدخال بضاعته إلى المخزن أو إخراجها، الّا بدفع مبلغ مالي للضابط المسؤول عن السيطرة القريبة من مخزنه، وهذا الضابط يتغير كل عدة أشهر، ومن يخلفه يريد اتفاقا جديدا معه.
نهاية المشوار فإن هذا الكاسب وغيره يضطرون اما إلى غلق مصالحهم أو تحميل ما يدفعونه للمشتري برفع أسعار البضاعة.
ليست هذه حالات فردية إنما هي ظاهرة متفشية وتحتاج إلى قرارات واجراءات حازمة لقمعها من قبل جهة مخولة تتلقى الشكاوى وتتابعها.
المرض تفشى في الضمائر والنفوس ولا حلّ سوى بالردع القاسي.