ماذا بعد حرق القرآن في السويد؟

آراء 2023/07/04
...







 سناء الوادي

تأذّت مشاعر المسلمين في صبيحة اليوم الأول من عيد الأضحى المبارك بأقدس أقداسهم، بسبب ما جرى من حرق لنسخةٍ من القرآن الكريم أمام جامع ستوكهولم الكبير على مرأى من القنوات الإعلامية وتحت حماية الشرطة السويدية وبمباركة من المحكمة العليا، قد يعتقد البعض من العامة أن مثل هذه الأفعال نابعة من التطرف الديني لدى بعض الجماعات، التي تتشدد للمسيحية، خاصةً أنها تكررت مٍراراً في الأعوام الماضية، فكلنا نتذكر الحادثة السابقة من حرق القرآن الكريم في الشهر الأول من هذا العام في السويد أيضاً، وما قام به البعض في فرنسا من تطاول على النبّي الأكرم محمد (ص)، لكنّه في حقيقة الأمر تتأتى هذه الأفعال نتيجة تصاعد التيار اللوثري في الغرب وهم ممن يؤمنون بأفكار مارتن لوثر الإصلاحية، والتي بدأت منذ القرن السادس عشر بالوصايا الخمس والتسعين التي قدمها آنذاك معترضاً فيها على سلطة الكنيسة على الحياة السياسية والعامة، حيث قوبلت حينها بالرفض المطلق وسجن على إثرها، ومع ذلك كانت تلك الصرخة التي أطلق لوثر لها العنان شرارة تحجيم دور البابا والكنيسة في روما ورفع يديهما عن
الاقتصاد.
بعض الباحثين التاريخيين يشيرون إلى أن نهضة أوروبا بدأت حين تمتعت بالعلمانية على الرغم من مناقضة ذلك بالقول الذي يبرهن أن الرخاء الاقتصادي في الغرب كان نتيجة استعماره للدول الضعيفة الغنية بالثروات وسرقة خيراتها، ففي السبعين عاماً الأخيرة تصدرت هذه الدول المراتب الأولى في قائمة الأكثر سعادة عالمياً، لذلك ارتبطت وثيقا معايير السعادة بمعايير مادية بحتة بعيدة كل البعد عن اللاهوت، ولربما هذا ما يفسّر تزايد الإلحاد « اللادينية «، بنسب هائلة ترتفع كثيراً في السويد التي تشهد ناتجاً محلياً مرتفعاً يقدر ب700 مليار دولار لعدد سكان يقارب العشرة ملايين نسمة.
وفي السياق ذاته فإن التيار اللوثري، الذي يعد جزءاً من البروتستانت بدأ أول ذي بدء بتمييع الديانة المسيحية، حيث إن الذهاب للكنيسة بات الآن عند الغالبية لا يتعدى كونه تقليداً فقط.. فتفرغوا من الروحانيات والانتماء للخالق ولجؤوا للإعلاء من قيم ابتكروها كالديمقراطية وتقديس حرية التعبير، فتحول الإلحاد لظاهرة جماعية حسبما أشارت آخر الاحصائيات إلى أن  8 من كل 10 أشخاص باتوا لا دينيين.
كل ذلك أرخى بظلاله على طبيعة المجتمع السويدي، فطفا على الواجهة القلق المتزايد من انتشار الإسلام، تزامناً مع توافد أعدادٍ كبيرة من اللاجئين المسلمين لأوروبا، ليصبح مستقبلها الديني ضبابياً بعض الشيء، وكان قد حذّر رئيس أساقفة الروم الكاثوليك في السويد «كارلو ليبراني» في العام 2017 م من وجود ارتباط بين انتشار الإلحاد وصعود الإسلام، ليصرح بعدها قائلاً سنكون في غضون عشر سنوات جميعنا مسلمين بسبب غبائنا، وفي ذلك إشارة واضحة إلى أن العداء الأساسي للإسلام هو من قِبل اللوثريين – الملحدين –، ومن المؤكد أن ظاهرة الإسلاموفوبيا التي لاقت صدى واضحا عند الغرب، والتي تعبر عن كره البعض للعنف الممارس من قِبل الجماعات المتطرفة، التي تنسب نفسها للإسلام ليندرج ذلك ضمن الخطة المنظمة والأيديولوجية العالمية، التي تحاول ترسيخ الشذوذ والمثلية المناهضة للفطرية السليمة للإنسان والمصانة عند الأديان.
ناهيك عن تغلغل الإسلام السياسي في الحياة العامة والخاصة، فقد استغلت فنون السياسة الإسلام تارة للعب على مشاعر المسلمين حول العالم وجذبهم، وفقاً لما تقتضيه المصالح، وتارةً أخرى للهجوم عليهم ونبذهم استقطاباً لشعوبهم، وهو ما يعد سبباً رئيسياً لردود الفعل التي نراها تجاه الديانة الإسلامية.
هل يكفي ما قامت به الدول الإسلامية الممثلة لملياري مسلم حول العالم من الشجب والاستنكار والتنديد، وهل الإصغاء للأصوات المطالبة بالمقاطعة الاقتصادية والدبلوماسية وإغلاق القنصليات إذا ما تم فعلاً، يعتبر ردّاً رادعاً لمثل هكذا تصرفات مشينة جارحة للمشاعر في المستقبل والتي من الممكن أن تتصاعد أكثر؟.
لا أعتقد ذلك فلا بدّ من مواجهة هذا العداء الواضح للمسلمين، من تبني أيديولوجية واضحة تحمل في طياتها التمسك بالقيم الإسلامية السامية الداعية للعدل والحق ومحاربة التطرف بكل أشكاله، لما فيه من إساءة لجوهر الدين بحد ذاته، فضلاً عن نشر الوعي المجتمعي للوقوف بوجه الظواهر اللا أخلاقية التي يروج لها الغرب بين أبنائنا.

 كاتبة سورية