التغيير الاجتماعي والسياسي في الدول المأزومة

آراء 2023/07/04
...

 د. محمد وليد صالح
 يغدو واحد من أكثر المفاهيم جدوى وجدارة بالمقاربة العلمية المتخصصة هو التغيير الاجتماعي والسياسي في الدول الموصوفة بالتأزم والفشل والهشاشة بسبب عدم الاستقرار، وهذا ينفتح على احتمالات غير محدودة في خلفياتها النظرية والتطبيقية، وكانت لمنظورات نخبة من الباحثين عن الأسباب والمناخات المحركة للتغيير الاجتماعي والسياسي وكيفية صيرورته، والمسارات التي اتخذها، ومخرجات متنوعة الاحتمالات ناجمة عنها ومآلات الدول المأزومة ومنها العراق
عبر النسخة الخامسة لمؤتمر الجمعية العراقية لعلم النفس السياسي بالتعاون مع جمعية الأمل العراقية، سعياً لوضع الحلول الناجعة والمناسبة، والإسهام في بلورة تصورات مفاهيمية ونماذج نظرية تتدرج هرمياً من الدور الفردي للفاعلين في إحداث التغيير أو العزوف عنه، وصولاً إلى البنى المجتمعية التراكمية المنتجة للتغيير أو الكابحة له لإصلاح الواقع الجتماعي المازوم وتنميته بالمعرفة الموضوعية نظرياً ومنهجياً.
إنَّ من عوامل نشأة الاستبداد في المجتمع العراقي هي التأريخ والجغرافية ومظاهر التغيير منذ أواخر القرن التاسع عشر، وحداثة الأدوات والأفكار بعد الاتصال بالغرب وتجليات بنية الاستبداد منها القبيلة والسلطة السياسية والدينية ونظم التعليم والكيانات السياسية، وآثاره في شخصية الفرد ونسيج المجتمع، فضلاً عن سمات الصدمة الثقافية كحالة من التغيير الاجتماعي المفاجئ والشامل والأساسي وغير المتوقع، مما يولد الصراع الدائم بين اقطاب السلطة والمجتمع، فالتغيير السياسي حول الديمقراطية بزواياه الثلاث نحوها وضمنها وعنها غالباً ما تشعر به الشعوب وخلاصها من الطغيان والأنظمة الفاشلة الأخرى.
فجدالات التغيير في الخطاب الإسلامي بتقديمه تصوراً تحليلياً عما يجري في بلدان مأزومة عدة لا تعيش استقراراً من طريق خطابين أحدهما يسمى بـ”الإسلام الأيديولوجي” والثاني “الإسلام الصوفي”، ومنظوراتهما الموسعة عن “الأيديولوجيا الدينية والذاكرة الدينية المستمرة والدين السياسي”، أما التحوّلات التي تمر بها الساحة الإيرانية التي يمكن ان تكون أحد عوامل التغيير، في ظل تداعيات العقوبات الغربية بسبب برنامجها النووي وتزايد الضغوطات على مختلف مجالات الحياة
للشعب.
فالتغييرات تعد منتجات جمعية ولكن أين موقع الفرد في هذه العمليات في تشكيل الجماعات والحركات والبنيات الاجتماعية، عبر مدخل جينالوجي لفكرة البطولة الاجتماعية المطروحة في المشاريع العالمية، ففي الوقت الذي يفقد أي نظام سياسي ثقة الشعب ستجده منعزلاً عن دعم القوى الاجتماعية ومعرضاً للحركات الاحتجاجية من الجماعات المحرومة، وفي هذا السياق فإن المنظومات السياسية التي لاتشبع حاجات افراد شعبها، سواء كان ذلك نفسياً أو اجتماعياً أم اقتصادياً يزيد من شعور المواطن بالظلم والاستغلال والرغبة في التمرد على النظام السياسي من خلال اجراء التغيير، وكذلك العلاقات الهرمية بين الجماعات تعمل على ايجاد توازن تمايزي بين نوعين من المؤسسات الاجتماعية منها المؤسسات المعززة للتسلسل الهرمي “المؤسسات الآلية الكبرى والقطاعات الرئيسة التابعة إلى نظام العدالة الجنائية”، والمؤسسات المخففة للتسلس الهرمي “منظمات الرعاية الاجتماعية ومنظمات الحقوق المدنية والمدافعة عن حقوق المرأة وحقوق الإنسان والجمعيات الخيرية”.
وفي الحقل السياسي نجد كلا العقليتين الشعبوية والمؤامراتية تنطوي على عناصر تبسيطية أساسها التوهمات الرغبوية والإنكارات الدفاعية، فالاعتقاد بنظرية المؤامرة أكثر قدرة على إقناع الناس بأن التغيير إن حدث يأتي من خارج إرادتهم حصراً، فإن الاتجاهات الشعبوية قد تنطوي على الاحتمالين، أي ترى أن التغيير معطى ثنائي القطبية، أما أن يصنعه الشعب أو تصنعه قوى خارجه، وكلاهما تتمتعان بحضور نفسي في العراق من طريق المشاركة السياسية أو العزوف والاغتراب السياسيين، فضلاً عن الهدف من التغيير يكون على حساب الحراك داخل المجتمع الذي قد يكون أساسه اقتصادي أو سياسي وغيرهما، إذ إن تراجع المؤشرات الاقتصادية بمستويات حادة يضع النظام السياسي في حالة حرجة تستلزم اتخاذ تدابير حاسمة باتجاه تغيير فلسفة ونهج الحكم وبالتالي إدارة الدولة، وفي حينها تكون التدابير الجزئية غير ذات نفع في إحداث التغيير الداعم لرسم وصتع وتنفيذ السياسات العامة في جانبها الاقتصادي للارتقاء بالمؤشرات.
وكان للثقافة دور في تحقيق الاندماج المجتمعي في العراق من طرف الأحزاب السياسية والحركات الاجتماعية والاكاديمية والتشكيلات المعرفية والثقافية، وعلى الرغم من جدلية الهوية الوطنية لم يفلح العراق منذ عام 1921 بتأسيس نظام سياسي عقلاني رشيد يواجه، ويجد حلولاً لمشكلاته، لا سيما الهوية الوطنية، وتخللها ضعف في الوعي السياسي-الثقافي للهوية وسيطرة الانتماء الفرعي على هاجس المكونات الاجتماعية، وبناء الدولة قبل تأسيس الهوية لغاية عام 2003 يعود إلى متغيرات عدة أهمها “الأيديولوجي والنخبوي والتأريخي”، ما يميز الحالة العراقية هو أن الذاكرة الجمعية مترعة بصور وأحداث وحكايات وروايات يتم نقلها عبر عملية التنشئة الاجتماعية، لتتشكل بواسطتها الثقافة التقليدية بقنوات متنوعة.
ومن العوامل التي أرهقت النظام السياسي في العراق، فقدان الانتخابات لميكانزماتها الأساسية تجعل الخاسرين فيها يتحولون من الداعم لها إلى المشكك في كونها تعبر عن الديمقراطية الحقيقية، ليبقى متمسكاً بخيار الجمهور، متحوّلاً من شرعية الجمهور بالانتخابات إلى شرعية الجمهور خارج الانتخابات، بل وإن سلطة الجمهور خارج الانتخابات تعد سلطة أعلى لا تستطع الدولة مواجهتها لأنها قائمة على شرعية اسمها الجمهور، ما يولد الانشطار الذي يصل إلى الجماعة الواحدة، فأصبح المؤيدون للنظام أقل من غير المدافعين عنه وانتهاء ثقة المواطن، وما تلك المعادلة تعني بالضرورة التغيير الحاسم بل مزيد من الازمات واستفحالها مؤدية إلى مستقبل سياسي واجتماعي
مجهول.