العلاقات الإيرانيَّة الروسيَّة.. وتأثيرات أحداث فاغنر

آراء 2023/07/04
...







 محمد صالح صدقيان

حظيت الأحداث التي شهدتها روسيا علی خلفية تمرد قائد مليشيات فاغنر يفغيني بريغوجين بأهمية مثيرة في إيران، بسبب العلاقة التي تربط البلدين التي لم تقتصر علی البيانات الحكومية الرسمية، وانما التعليقات الإعلامية الحكومية أو شبه الحكومية ووجهات نظر الخبراء والمحللين المستقلين، التي ألقت بظلالها علی طبيعة العلاقة التي تربط طهران بموسكو خصوصا بعد الأزمة الأوكرانية.
الموقف الرسمي الحكومي جاء طبيعيا دون إثارة، حيث وصف المتحدث باسم الخارجية الإيرانيَّة ناصر كنعاني ماحدث “مسألة داخلية”، مؤكداً الموقف الإيراني الذي “يدعم سيادة القانون في الاتحاد الروسي”؛ في الوقت الذي أعرب وزير الخارجية امير عبد اللهيان لنظيره الروسي سيرغي لافروف عن ثقته في مرونة روسيا “لتجاوز هذه المرحلة الصعبة”؛ بينما نقل الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي للرئيس فلاديمير بوتين دعم إيران الكامل للإجراءات التي اتخذتها الحكومة الروسية ضد مجموعة فاغنر.
في الموقف شبه الرسمي وصفت تغريدة نشرها موقف “نور نيوز” المقرب من مجلس الأمن القومي الإيراني الحدث “مؤامرة غربية جديدة” تهدف إلى زعزعة استقرار روسيا وتقويض جهودها الحربية في أوكرانيا؛ في حين رأت وكالة انباء “تسنيم” المقرًبة من الحرس الثوري الإسلامي تمرد فاغنر “عملية استخباراتية وأمنية ستراتيجية من قبل الناتو”، تم تصميمها للانتقام من “الهجوم المضاد الفاشل” لأوكرانيا عن طريق تحويل ساحة المعركة إلى الأراضي الروسية”؛ بينما وجهت وكالة انباء فارس القريبة هي الاخری من الحرس الثوري أصابع الاتهام إلى وسائل الإعلام الإيرانيَّة الإصلاحية، متّهمةً إياها بأنها “قسم رعاية مصالح” فاغنر في إيران بسبب تغطيتها الشاملة للأحداث في روسيا.
وشاركت صحيفة “كيهان” الاصولية المتشددة موقفاً مماثلاً، عندما هاجمت الاصلاحيين قائلة “لقد سلّطت حادثة فاغنر الضوء على الطبيعة الحقيقية لمن يدعون أنهم إصلاحيون، والتيارات ذات التوجه الغربي، ومرة أخرى سلطت الضوء على جهلهم بالعلاقات الدولية واعتمادهم القوي على الغرب».
اما النخب الإيرانيَّة فإنها أظهرت التباينات بشكل أوضح حيال التعاطي مع الحدث الروسي علی خلفية التعاون القائم بين موسكو وطهران، حيث رأی  الناشط السياسي الإصلاحي البارز احمد زيد ابادي، أنّ اعتماد الرئيس الروسي بوتين على المرتزقة أولد مشكلة في روسيا، معربا عن اعتقاده أن الحدث سيضعف “على الأرجح” موقع الجيش الروسي في أوكرانيا، ما يؤدي إلى الانسحاب من بعض المناطق المحتلة.
كما يتحدث زيد أبادي عن احتمال استخدام بوتين لذريعة “خيانة” مجموعة فاغنر لتبرير اتفاق سلام محتمل مع أوكرانيا، وبالتالي حفظ ماء الوجه محليًا.
اما حميد ابو طالبي مستشار الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني فانه رأی أن الاسلحة النووية لايمكن لها ضمانة الامن والاستقرار وأن “تهميش دور المواطنين يمكن ان يؤدي الی ازمة وطنية”؛ في الوقت الذي رأی الدبلوماسي السابق فريدون مجلسي حادثة فاغنر “إهانة لموسكو أكثر من كونها تهديدًا حقيقيًا” وأن “هذا التمرّد أقرب إلى محاولة ابتزاز شنّها بلطجية مسلّحون من ذوي الخبرة الحربية في أوكرانيا».
هذه المواقف المختلفة حيال الحدث الروسي تعطي اهمية لدراسة الانقسام، الذي تشهده إيران في مايتعلق بالعلاقة مع روسيا كما انها تعكس ايضا الاستقطاب في السياسة الخارجية الإيرانيَّة، الذي ظهر بشكل متزايد في السنوات الأخيرة.
فقد ظهر واضحا الانقسام حيال العلاقة مع روسيا ومستوی هذه العلاقة، خصوصا بعد الازمة الاوكرانية واتهام الدول الغربية إيران بمساعدة روسيا عسكريا بواسطة طائراتها المسيرة؛ الأمر الذي يسلط الضوء من جديد على وجود نقاش دقيق ومتعدد الأوجه داخل المجتمع الإيراني بشأن توجه السياسة الخارجية للبلاد، على الرغم من مقاومة الحكومة الواضحة لإعادة النظر في تحالفاتها الاقليمية والدولية .
ويعتقد النظام السياسي الحاكم في إيران ان العلاقة مع روسيا وتعزيزها في المجالات المحتلفة، لا سيما العسكرية هو البديل المتاح والافضل لإيران في الوقت الذي لازالت الولايات المتحدة، ومعها الدول الغربية تماطل في العودة للاتفاق النووي الموقع عام 2015 لإزالة العقوبات الاقتصادية المفروضة علی إيران.
وترتبط طهران وموسكو بعلاقات تاريخية بحكم العوامل الجيوسياسية، إلا أنها اخذت طابعا آخر منذ انتهاء الحرب العراقية الإيرانيَّة عام 1988، حيث اتفق البلدان علی تطوير البرنامج النووي الإيراني بعد تخلي المانيا واليابان من اكمال مفاعل بوشهر النووي.
وقد شكل التعاون الروسي الإيراني في سوريا بعد العام 2014، نقطة بارزة ومفصلية لمستوی التعاون علی الرغم من وجهات نظر إيرانية اختلفت في جدوی مثل هذا التعاون علی الأمن القومي الإيراني؛ لكن اشتعال الحرب الاوكرانية وفرض العقوبات علی روسيا وتداعياتها أدخلت العلاقة الروسية الإيرانيَّة في مسار جديد تخلص من عديد المحددات، التي كانت تكبل هذه العلاقة منذ العام 1988 حتى الآن.
وقد كانت إيران وروسيا قد وقعت علی اتفاقية للتعاون المشترك في العام 2001 تحت عنوان “اتفاقية اساسية للعلاقات المتبادلة ومبادئ التعاون” بين البلدين لكنها لم تكن بحجم الطموح الإيراني، الذي كان يتطلع الی علاقات امنية وعسكرية متطورة بسبب المعارضة الأمريكية واستجابة موسكو للضغوط الأمريكية آنذاك؛ إلا أن تطورات الموقف في سوريا وفي ما بعد في أوكرانية دفع الإيرانيون الذين وجدو أبواب موسكو سالكة لهم من اعادة النظر في الاتفاقية الموقعة عام 2001، حيث قال الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي إن بلاده تعد اتفاقية مدتها 20 عاما لها أبعاد امنية عسكرية إضافة إلی أبعادها الاقتصادية.
وكان رئيس هيئة الاركان المشتركة للقوات المسلحة الإيرانيَّة محمد حسين باقري قد زار موسكو في اكتوبر 2021، حيث اعلنت إيران نيتها شراء اسلحة من روسيا بعد انتهاء العقوبات العسكرية علی إيران في اكتوبر من العام الجاري 2023 بموجب القرار الأممي، الذي صدر من مجلس الامن الدولي 2231 والذي احتضن الاتفاق النووي الموقع بين إيران
ومجموعة 5 + 1.
وتتحدث المصادر الامريكية أن إيران تملك قائمة متنوعة من مشتريات الاسلحة من روسيا تكلف مليارات الدولارات وتشمل غواصات من فئة “كيلو” ودبابات “تي 72” ومدرعات للمشاة وانظمة مختلفة مضادة للدبابات ومقاتلات سوخوي متطورة.
وتشير المعلومات إلی أن إيران اشترت من روسيا اسلحة مختلفة بقيمة 304 مليار دولار خلال المدة “1991-  2015”؛ فيما يسير البلدان لرفع حجم التبادل التجاري لمستوی 70 مليار دولار سنويا.
واستنادا للعلاقة المتنامية بين البلدين وبعد تعثر المفاوضات النووية مع الغرب اتفقت طهران وموسكو علی التعاون في المجال النفطي والغازي، الامر الذي سمحت إيران لشركة غاز بروم الروسية التواجد في المياه الخليجية والتنقيب علی النفط في جزيرة كيش، والمساهمة في استخراج الغاز في حقل بارس الجنوبي القريب من قاعدة الاسطول الخامس الامريكي وهي خطوة تحمل الكثير من
الدلالات.
وفي ظل هذه الأجواء؛ يسود الاعتقاد أن العلاقة بين موسكو وطهران أصبحت اقصر بعد الحرب الاوكرانية، لتقترب كثيرا من العلاقة الستراتيجية حيث نقل منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الامن القومي الامريكي جون كيربي أن روسيا عرضت علی إيران تعاونا دفاعيا غير مسبوق، بما في ذلك في مجال الصواريخ والالكترونيات والدفاع الجوي.
وعلی الرغم من وجود وجهات نظر مختلفة لدی أوساط سياسية وعسكرية وفنية بشأن التعاطي مع موسكو، لكن القيادة الإيرانيَّة ومعها أوساط سياسية وعسكرية عريضة، تعتقد أن التوقيع علی “اتفاقية التعاون الاساسية للعلاقات المتبادلة ومبادئ التعاون”، لمدة 20 عاما ستخلق ظروفا جيواستراتيجية جديدة لإيران لمواجهة التهديدات المختلفة التي تسببها اسرائيل والولايات
المتحدة.