العنفُ المجتمعي في العراق.. أسبابٌ ومعالجات

آراء 2023/07/04
...

باقر صاحب

 بين فترةٍ قصيرةٍ وأخرى نصبح ونمسي ذاهلينَ على أخبار ووقائع العنف المجتمعي عبر وقائع التواصل الاجتماعي وشاشات الفضائيات، وقائع عنفٍ يمكن أن نطلقَ عليها جرائمَ عائليّة، أي تحصلُ بين أفراد العائلةِ الواحدة، في معظم مدن العراق، إضافة إلى حوادث عنفٍ بين عائلتين أو بين أصدقاء، وإذا ذهبنا أبعد من ذلك، هناك الجرائم التي يرتكبها مجهولون ضدّ أفرادٍ أو عوائل أو جماعات، لا تربط بين الجناة والمجني عليهم صلاتٌ مباشرة، وهنا ندخل حقل الجريمة المنظمة وعصاباتها.
سنحصر موضوعة مقالتنا، كيلا تتشتّت، بالعنف المجتمعي العائلي، وجرائمه البشعة، التي أصبحت محور أحاديثنا اليومية، مبدينَ استغرابنا بما آل إليه الكثير من أفراد مجتمعنا رجالاً ونساءً، وهم يمارسون القتل بدمٍ باردٍ ضدّ آبائهم أو أخوانهم أو زوجاتهم أو أبنائهم أو بناتهم، وعلى سبيل المثال، هاكم هذا الخبر الحديث وتاريخه 22 حزيران، حيث ذكرت بعض الوكالات أنّه بسبب خلافاتٍ عائلية.. ابنٌ يقتل أباه بالرصاص في محافظةِ الديوانية، حيث” قُتل مقاولٌ على يد ولده بإطلاق نارٍ بواسطة مسدسٍ بسبب خلافاتٍ شخصية”.
وعلى ذلك تذكر تقارير صحفيةٌ مختلفةٌ أن تلك الجرائم “أغلبها يقع بسبب مشاجراتٍ وصراعاتٍ عشائريةٍ وماديةٍ، كذلك فإنّ من ضمن جرائم القتل الكثير من جرائم الشرف».
الأمر ليس بهذه البساطة، بل يمكن القول.. هناك أسبابٌ عميقةُ لجرائم العنف المجتمعي، تراكمت منذ عقدين من الزمان، ولم تعالجها الحكومات المتعاقبة بحلولٍ جذرية، تلك الأسباب تُبوّب إلى مشكلاتٍ اقتصاديةٍ واجتماعيةٍ وثقافية، مثل الفقر، والبطالة، والمخدّرات، وسوء الخدمات، وغياب العدالة الاجتماعية، وتفشي الأمية، وعمالة الأطفال، والتباين الطبقي، حيث نجد فئاتِ في المجتمع تتربّع على قمّة الثراء، وبالمقابل هناك طبقاتٌ مسحوقةٌ جداً، أو ما تُسمّى تحت خطِّ الفقر.
تلك المشكلات، جميعها، تقف وراء التفكّك الأسري والخلافات العائليّة الكبيرة، ومن ثم تؤدّي إلى حدوث جرائم من قبل رجالٍ ونساءٍ، ليسوا أصحاب سوابق، أو (خرّيجي سجون)، وإنما يرتكبون هذه الجرائم لأوّل مرة، بفعل تعاطي حبوب (الكبسلة)، أو الحشيشة وغيرها من أنواع المخدّرات، فضلاً عن أنّ السلاح غير المرخّص، بات بحوزة أحداثٍ أو رجالٍ غير مؤهلين عقلياً، ما سبّب تفشيّ تلك الجرائم المجتمعية.
وقد يكون الاستخدام المُفرط لأجهزة الهواتف الذكية، والإدمان على مشاهدة فيديوهات العنف والقتل والاعتداء الجنسي من الأسباب الرئيسة أيضاً، بفعل التأثر السلبي جداً بها، إلى درجة الإقدام على التشبّه بها، وتمثيلها على الأرض، وإيقاع الجرائم بأقرب الناس إليهم، بسبب الشّحن الداخلي لتلك الأسباب الآنفة الذكر، إذ يُغيَّب العقل تماماً، وتحضرُ الانفعالات المتهيّجة بفعل تعاطي الخمورِ والمخدّرات، فتكبر شروخ التفكّك الاجتماعي بين العوائل، ومن ثمّ تزداد جرائم القتل والعنف الجسدي والاعتداء الجنسي، حتّى على بناتٍ وأولادٍ قاصرين، تتبعها جرائم قتلٍ بشعةٍ، لإخفاء معالم جرائمهم.
هذا بالإضافة إلى حوادث الانتحار، التي يمكن وصفُها بأنّها عنفُ الفرد ضدّ نفسه.
بالمجمل يذكر تقريرٌ صحفيٌ لوكالة ألترا عراق ما يلي” سجّل العراق أعلى معدّل ارتفاعٍ لجرائم القتل خلال عام 2022، بنسبةٍ سنويةٍ تصل إلى أكثر من 11.5 لكل 100 ألف نسمة، وهي الأكبر على مستوى الوطن العربي وإيران وتركيا».
 إن حلولَ الحدِّ من معدّلات الجرائم ومن ثم تلاشيها، تكمن في معالجةٍ جذريةٍ للأسباب المؤدية إليها، منها القضاء على البطالة، بتشغيل جميع الأيدي العاملة ضمن حملة إعمارٍ شاملةٍ في البلاد مموّلةٍ بالموازنة الانفجارية لثلاثة أعوام، كلّ العراقيين يترقبون انطلاقها بعد مصادقة السيد رئيس الجمهورية على الموازنة، ونشرها في جريدة الوقائع الرسمية.
الكلُّ يأملون بأنّ ما سيجري على أرض الوقع نهضةٌ كبيرةٌ، تتحسّن فيها المستويات الاقتصادية والثقافية لجميع فئات المجتمع وفق ميزان العدالة الاجتماعية.
وبالمختصر المفيد، إنه على أرض أغنى دولةٍ في العالم، ينبغي أن تتوفّر لكلّ الناس مساكن لائقةٌ، ووظائفُ عامةٌ وأعمالٌ خاصةٌ برواتب مجزية،بالإضافة إلى مؤسساتٍ تعليميةٍ وصحيةٍ راقيةٍ كما دول العالم المتحضر، كلُّ تلك كفيلةٌ بحلِّ مشكلات العراقيين جميعاً وليس فقط العنف المجتمعي، لأنّ الناس عامةً سيتمتعون بوعيٍ مجتمعيٍّ، يجعلهم يستغنون عن اللجوء إلى القوة أو العشيرة لفضّ الخلافات، بل سيحتكمون إلى القانون، الذي ستدعمه دولةٌ قويةٌ لديها قضاءٌ عادل.
وأخيراً ما دامت لدينا موازنةٌ ثلاثيةٌ انفجارية، يمكن تحقيق نسبةٍ جيدةٍ من أحلامنا تلك، ونتمنّى ألا تبقى أحلاماً فقط، فالشعب العراقي بتضحياته التاريخية وعذاباته التي لا تنتهي، يستحقُّ، بجدارةٍ، تنفيذَ أمنياتهِ
المُعتّقة.