سعاد الجزائري
منذ زمن ليس بالقصير انتشرت مفردات حول حماية البيئة و التلوث، وفي بلدان كثيرة شرّعوا القوانين لمنع قطع الاشجار المثمرة والمعمرة، حفاظا على الاخضر في كوكبنا وحفاظا على نقاء البيئة.
توسع وانتشر هذا الاهتمام لدرجة أن أحزابا سياسية تشكلت دفاعا عن محيطنا وأرضنا وزرعنا، وسميت هذه المجموعات بحزب الخضر، وسأكون أول من ينتمي لهذا الحزب إن تأسس بالعراق، لأني أؤمن بأن الشجر والنبات حولنا وفي داخل البيت دليل على ديمومة التفاعل مع الحياة وتقديس أهميتها، لهذا ازدحم بيتي بالحياة والنبات، لأني احترم البيئة وأصلي لأخضر الشجر والنبات.
الأشجار كائنات مقدسة وقد ذكرت في الكثير من الكتب السماوية، وبعضها حرّم قطعها، بل هناك من يعتقد أن موت الشجرة يدل على فأل سيئ.
أتذكر أن شارعًا جديدا تم فتحه في لندن، فوضعوا ساحة صغيرة في إحدى نقاطه، ليس لضرورة مرورية، أو لتقاطع طرق، وإنما لأن شجرة معمرة تتوسط هذا الشارع، فأبقوا الشجرة شامخة بمكانها وحفاظا عليها أسسوا حولها ساحة تلف حولها السيارات، احتراما لعمر هذه الشجرة.
تعمر النخلة العراقية حتى المئة عام، وتثمر تمرها الذهبي بعد اربع سنوات كمعدل من بدء زراعتها، وفي عقدها الثاني يصل كرمها إلى قمته.
هذه الشجرة المعطاء التي نستفيد من كل ما فيها؛ الجذع، السعف، التمر، نواة التمر، لأن النخلة منبع عطاء وكرم والمكافأة التي نقدمها اليوم لهذه الشجرة هو قطع رأسها وإلغاء بساتين النخيل، من أجل تشييد مولات أو مجمعات هي غسيل اموال أكثر منها فائدة لأي جهة، أو امتصاص القليل والمتوفر في جيب الشعب.
تجري الآن حملات اقتلاع نخيل واشجار معمرة بالعراق من اجل مشاريع تجارية، ورغم الجفاف الذي يعانيه العراق حاليا فقد تحول أخضر الاشجار إلى لون رمادي، ومع التصحر وازدياد العواصف الترابية، تتفاقم حملة اقتلاع ارواح النخيل والاشجار دون دراسة أو تخطيط في الوقت الذي تسعى الكثير من الدول التي تتشابه ظروفها المناخية معنا إلى سياسة تطبيق الحزام الاخضر، للتقليل من ارتفاع درجة الحرارة أولا، والسيطرة أو الحد من العواصف الترابية ثانيا، واخير تنقية البيئة وحمايتها من التلوث.
ازداد عدد السكان في كل العالم، وبناء على ذلك ازدحمت المدن بساكنيها مما أدى إلى بناء مجمعات سكنية، ولكن لم تقتلع الاشجار ولم يتم التجاوز على المناطق الخضراء لأهميتها التي ذكرتها اعلاه.
واليوم عراقنا يجف، واللون الاخضر ينحسر، والعواصف الترابية كالاستعمار، لا تكف عن غزونا واحتلال بيئنا وتلويثها، فمن المستفيد يا ترى من اقتلاع الاخضر ليحل الحجر مكانه؟ وأين الجهات المسؤولة عن التخطيط وحماية البيئة؟
قبل فترة رأيت فيديو على صفحات التواصل الاجتماعي لشاب ينادي بضرورة حماية أشجارنا من غزو المشاريع التجارية، ويناشد المسؤولين على إجبار المستثمرين لشراء آلة تقتلع الشجرة وتعيد انباتها في مكان آخر، حفاظا واحتراما لعمر هذه الاشجار، ولو حصلت يوما على الفانوس السحري، وخُيّر لي أن اختار محافظا لبغداد لاخترت هذا الشاب الشهم، أو انصبه قائدا لحزب أخضر بالعراق دفاعا عن حياة نخلينا وأشجارنا.
النخلة رمز للعراق وللعراقيين، وإن قطعتم رأسها فكأنكم قطعتم رأسنا، لا لمشاريع تجارية تقتل أخضر الأشجار وتزيد من أخضر الدولار.