زهير كاظم عبود
نص الإعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر بتاريخ 10 كانون الأول 1948 في المادة (18) منه على أن لكل شخص الحق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده وحريته في اظهار دينه أو معتقده، وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم بمفرده أو مع جماعة، وامام الملا أو على حدة.
وفي منطق القانون فان منع أو ممارسة أفعال ضد هذه الحقوق تشكل خرقا وتجاوزا على حقوق وحريات الاخرين، وكل ديانة من الأديان لها نصوصها المقدسة، وأماكن العبادة الخاصة بها وفق اعتقاد معتنقيها، وجميع تلك الكتب والأماكن لها خصوصية من خلال ممارسة العقائد والشعائر، وأن كل فعل وبأي شكل من الاشكال يمنع أو يسخر أو يسيء أو يهين أو يتجاوز أو على تلك الكتب أو الأماكن، يشكل فعلا مخالفا للقانون وتعديا واضحا على حرية العقيدة والفكر والدين، وفي هذا الخصوص فقد نص قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل في المادة ( 372 )، منه على معاقبة مرتكب جرائم التهجم والاعتداء والتقليد والسخرية على الدين أو المعتقد بعقوبة الحبس لمدة لا تزيد على ثلاث سنوات.
وفصل النص المذكور أشكال التعدي بالاعتداء بشكل علني على معتقد لإحد الطوائف الدينية أو حقر من شعائرها، أو تعمد التشويش على إقامة شعائر طائفة دينية أو على حفل أو اجتماع ديني أو تعمد منع أو تعطيل إقامة شيء من ذلك، أو كل، من خرّب أو أتلف أو شوّه أو دنّس بناءً مُعدًّا لإقامة شعائر طائفة دينية أو رمزا أو شيئا آخر له حرمة دينية، أوكل من أهان علنا رمزا أو شخصا هو موضع تقديس أو تمجيد أو احترام لدى طائفة دينية، أو كل من قلّد علنا نسكا أو حفلا دينيا بقصد السخرية منه، إضافة إلى ما يلتزم به المجتمع العراقي من قيم أخلاقية والتزامات روحية تفرضها الحياة المشتركة للعراقيين بمختلف التزاماتهم وعقائدهم الدينية والمذهبية.
بالإضافة إلى ما نص عليه الدستور العراقي وهو القانون الأسمى والأعلى في العراق من حظر كل كيان أو نهج يتبنى العنصرية أو الإرهاب أو (التكفير الطائفي) (المادة 7)، وفي المادة (10) ألزم الدولة العراقية على التأكيد وصيانة العتبات المقدسة والمقامات الدينية في العراق، وصيانة حرمتها وضمان ممارسة الشعائر بحرية فيها، وكفل الدستور على الدولة حماية الفرد من الإكراه الفكري والسياسي والديني، وتتكفل الدولة حرية العبادة وفق الديانات الموجودة بالعراق، وتعمل كسلطة تنفيذية على حماية أماكنها.
قبل فترة زمنية أقدم شخص دنماركي الجنسية استغلال مملكة السويد، ليقوم بتمزيق وحرق المصحف خارج المسجد الرئيسي في العاصمة ستوكهولم تحت حماية وحراسة الشرطة، لم يقدم على ارتكاب هذا الفعل في الدنمارك انما حضر إلى السويد، وقبل أيام أيضا أقدم شخص آخر مغمور زعم انه عراقي ولأسباب تنم عن تدني في الخلق والتربية وطلبا للشهرة وطريقة الوصول إلى الحصول على الحماية والإقامة على عملية حرق القرآن وتمزيقه علنا، والحقيقة أن سلطات الشرطة السويدية كانت قد قررت عدم السماح لممارسة مثل هذا الفعل لما يولده من استياء ومشاعر السخط والتحدي لدى جمهور كبير من السويديين المسلمين أو المسلمين بشكل عام، إلا أن محكمة الاستئناف السويدية نقضت قرار الشرطة وأعلنت بقرار السماح بإجراء الممارسة المذكورة، تحت زعم وذريعة الحريات التي يتمتع بها المواطن السويدي.
ومملكة السويد التي ينص دستورها على تقديس الحريات الشخصية يمنح أيضا الحرية كاملة لإتباع أي ديانة أو مذهب ويوفر لها الظروف اللازمة لممارسة الشعائر والطقوس، ونفس الالتزامات لا توفر حقا للمواطن التدخل في أديان الاخرين أو مراقبتهم أو خرق حقوق الانسان، بحجة حرية اعتناق الدين وعدم إجبار الأطفال على اعتناق ديانة والديهم، وتمكينهم من الاختيار والموقف، وعدم اجبار أي مواطن على اعتناق أي ديانة.
ولما كانت الأسس التي تقوم عليها الحياة في مملكة السويد قائمة على أساس التعايش المشترك والانسجام واحلال السلام المجتمعي واحترام تعدد الديانات والأفكار، وعدم استهداف اية ديانة أو فكر أو عقيدة بالإساءة أو المنع، والعمل على ترسيخ قيم الاندماج بين المواطنين على اختلاف ديانتهم وعقائدهم، والالتزام بالمسار الديمقراطي ومبدأ الحياد الذي التزمت واشتهرت به السويد، فإن منح الإذن بممارسة استفزازية تضع على عاتق المجتمع السويدي والحكومة السويدية مواقف متناقضة مع المبادئ التي يقوم عليها المجتمع بشكل عام، بدليل أن الحكومات السويدية تبذل قصارى جهدها، وتسعى لترسيخ قيم التعايش والمحبة والوئام بين شتى الديانات والأفكار والعقائد الدينية عند المواطنين في السويد.
الأساس القانوني، الذي تستند إليه محكمة الاستئناف السويدية هشا وينتابه الخلل، حين فسرت نصوص الحرية الشخصية بالشكل، الذي أساء للشعب السويدي المسالم ولقيم الديمقراطية والتسامح والحياد، التي اشتهرت بها السويد، وبدلا من إعلاء قيم حقوق الانسان ونصوص الحريات التي وردت في الدستور السويدي.
إن حرية التعبير في السويد تعني أن لكل شخص الحق بتشكيل رأيه الخاص، وأن يكون قادرا على مشاركة المعلومات وتلقيها، وأن للجميع حق نشر الآراء.
وتعني حرية التعبير أيضًا أنه يجب أن تكون قادرًا على التعبير عن نفسك دون أن تتم مراقبتك أو إسكاتك.
ويُحظر ارتكاب الجرائم التي تهدف إلى التقليل من قيمة الأشخاص أو مجموعات أخرى من السكان.
ويُطلق على هذه الجرائم اسم جرائم الكراهية.
ويُسمى نوع من جرائم الكراهية بالتحريض ضد مجموعة عرقية.
وهي رسائل بها كلام يحض على الكراهية.
فعلى سبيل المثال لا يُسمح بقول أي شيء يسيء إلى مجموعة عرقية معينة، كما لا يُسمح بقول أي شيء يشكل تهديدًا للأمن في السويد، أو تشجيع أي شخص آخر على فعل شيء إجرامي.
ولما كانت السويد بلدا يحرص على تجنب ارتكاب جرائم الكراهية، وعلى سبيل المثال فإن الإساءة إلى الديانات بأي شكل كان بشكل بعيد عن النقد أو النقاش أو المحاورة، فإن إقدام أشخاص على ارتكاب جرائم كراهية ضد اعداد ليست قليلة من أبناء السويد المسلمين، يعد فتحا لثغرة في جدار التسامح والسلام والمحبة والتعايش السلمي، واثارة لنعرات الكراهية التي لا يمكن للسويد ان تقبلها تحت ذريعة الحريات الشخصية، وما أقدمت عليه محكمة الاستئناف السويدية قاصرا وينم عن قصور في فهم نصوص حماية الحرية، وما يوفره الدستور السويدي من التزام بالديمقراطية والتصدي لجرائم الكراهية والاستفزاز والتحدي، بعيدا عن مصالح السويد وعلاقاتها السياسية والاقتصادية المبنية على المشاركة والالتزام بحقوق الانسان.