في مقهى أم كلثوم : ضجيج الدومينيو يعلو على صوتها

ثقافة 2023/07/05
...

 بغداد: كاظم لازم

 تصوير: نهاد العزاوي

عند دخلونا إلى مقهى أم كلثوم العريق، الذي أنشى في بغداد منذ ستينيات القرن الماضي برفقة المصور الصحفي، انتابتني حسرة وأنا أسمع نداء أم كلثوم وهي تصرخ "أروح لمين؟" وأغلب رواد المقهى هم من شريحة الشباب منشغلون عنها بلعبة الدومينيو والطاولي، وهناك عدد قليل من كبار السن الذين يستمعون اليها، بالرغم من ضجيج أصوات الشباب الذي يرتفع تارة وينخفض تارة اخرى، وسيدة الطرب تواصل أنينها وآهاتها.

أقدم زبائن المقهى ناجي ابراهيم 74 عاما قال "لقد شهد المقهى الذي تأسس منذ أكثر من نصف قرن من قبل عبد المعين الموصلي الكثير من المتغيرات، والتي طغت على ملامحه، فلقد كان رواده بالسبعينيات والثمانينيات نخبا ثقافية وفنية بارزة، فلقد شاهدت الكثير منهم وأتذكر ابرزهم رائد التشكيل العراقي فائق حسن، كذلك محمد غني حكمت، إضافة إلى الفنان عباس جميل وطالب القره غولي، والشاعر زامل سعيد فتاح وهم يصغون إلى الغناء، حتى تكاد الدموع تنزل من عيونهم متفاعلين مع الغناء الأصيل". 

واضاف ابراهيم " اختلف الامر اليوم، فلقد تمت ازاحة اجهزة التسجيل "الاكاي" الثلاثة، التي كانت تغرد من خلالها أم كلثوم، وكانت أشرطة أصلية يجلبها صاحب المقهى من مصر، ليتحول صوتها إلى جهاز الموبايل الذي ينقطع اكثر من مرة طول بث الاغنية". 

اما زاهر سعداوي 71 عاما فقد قال "لقد كان المقهى بيتنا الثاني، وتحول سماع أغاني أم كلثوم إلى عادة يومية، لا يمكن الاستغناء عنها من قبل عشاق صوتها. مع الاسف لم يبقَ شيٌ في المقهى، إلا الصور القديمة، التي تذكرنا بشبابنا ونحن نتسابق للوصول إلى المكان، ليتحول صوت لعبة الطاولي والدومينيو إلى موسيقى نشاز، تمنع عنا الإصغاء والانسجام مع أغاني الماضي الجميل".

صاحب المقهى ياسر ناصر 25 عاما أوضح "هناك زبائن من كبار السن لا ينقطعون عن التواجد ليل نهار، فالشباب الذين ازدادت أعدادهم في الأشهر الاخيرة، لا يصغون لصوت الغناء، بل راحوا ينشغلون بألعابهم ولا نستطيع أن نتدخل، لأنه رزقنا اليومي". يذكر أن مقهى أم كلثوم من المعالم التراثية في بغداد الذي أنشأه المرحوم الحاج عبد المُعين أحمد الموصلي العام 1958 في بناية الإدارة المحلية، وقد انتقل إلى مدخل شارع الرشيد في بغداد من جهة منطقة الميدان في العام 1961 بسبب التوسع العمراني لمؤسسات الدولة، وقد بقي المقهى مفتوحا لغاية يومنا هذا وتعاقب على إدارته أشخاص عديدون.

كان (مقهى أم كلثوم) في بدايته صغيراً، ثم أخذت الناس تتوافد إليه من مختلف مناطق بغداد والمحافظات. أما رواد هذا المقهى فهم من مختلف شرائح المجتمع من الأدباء والفنانين والمثقفين والرياضيين وطلبة الجامعات.. تجمعهم أجواء المقهى المشبعة بالطرب الأصيل. كما كان بعض العراقيين العائدين من الخارج، يتواعدون للقاء في مقهى أم كلثوم.