الشخصيات الأنثويَّة المرتبطة مجازًا بالسحر
ياسر حبش
بعد رواياتنا الأكثر رعبًا، فإنَّ أفضل أشباحنا، والمختلّين عقليا، وكوابيسنا، ومتاهاتنا، وبيوت الأدب المسكونة بالأدب، تبرز بشكل خاص لشخصيَّة رمزيَّة لأدب الخيال: الساحرة. نظرًا لأنَّ السحرة، صادفناهم بكثرة أمام الكتاب، كما هو الحال أمام شاشة- كبيرة كانت أم صغيرة-، في أنواع وتمثيلات متنوعة جدًا تمامًا، من هوميروس سيرس إلى سلالة ان رايس مايفير، مرورًا بـساحرات لا حصر لها من الحكايات. الساحرة، أو حتى محظيَّة الشيطان، المرأة العجوز القاتلة أو العجوز الحادّة، ترتدي الساحرة العديد من الأزياء، الشخصيَّة الأقل تقليديَّة من الساحرة، الأكثر رمزيَّة، نطلق عليها الساحرة الحديثة.
يمكننا أن نلاحظ لعدة سنوات، في العديد من المؤلفين، رغبة في استعادة الأساطير الكلاسيكيَّة لتجديدها، تنفس معنى جديد فيها، وأكثر صلة بإخبارنا عن العالم المعاصر. أسطورة الساحرة، لأنها الموضوع الذي يُثير اهتمامنا اليوم، هي تقليديًا، إن لم يكن بطريقة كاريكاتوريَّة تمامًا، امرأة عجوز ومريرة، تعيش بمفردها في وسط مكان بري- غابة، مستنقع، خليج، كهف، الجزيرة...- الحاقدة، الاتفاق مع الشيطان لنشر الشر في العالم، بمساعدة مألوفة تدينها الخرافات، القط الأسود أو حتى الغراب الأغمق. إنها صورة المرأة السيئة بامتياز، التي تتعارض مع المرأة الطيبة- لذلك فهي جميلة، شابة، ولطيفة، منزليَّة واجتماعيَّة، خاضعة للرجل وليس للشيطان.
ومع ذلك، تمامًا مثل النساء، تم تحرير شخصيَّة الساحرة لعدة سنوات لتصبح رمزًا نسويًا قويًا، وبالتالي لم تعد الساحرة تمثل- بالضرورة- المرأة السيئة بل المرأة المحررة، المتحررة من النظام الأبوي وبالتالي تحرر من الشيطان. وهذا التحرر ينبع من عمليَّة طويلة، تجد مصدرها في العديد من الشخصيات النسائيَّة، تلك الشخصيات الأنثويَّة التي نربطها بالسحر لأنها، مجازًا، تجسد القوة والاستقلاليَّة.
- الشخصيَّة الساحرة الأكثر شهرة، تحفة الأدب الفرنسي التي يجب على المرء أن يلقي بها نفسه بشكل أعمى، خلاصة صغيرة رائعة من الدقة والذكاء وعدم الأخلاق- ماركيز دي ميرتويل، شخصيَّة غامضة، تتمتع بذكاء كبير تضعه في خدمة فسادها وألعابها في التلاعب. إنها فخورة، ساحرة، جذابة، مفترسة، تسعد بجعل فريستها تتألم وتستمتع بالحياة. إنها غير أخلاقيَّة، لأنَّ الأخلاق لا تصنع للمرأة، فهي لا تقاتل بأسلحة متباهية لرجل، بل بأسلحة امرأة، وُلدت للانتقام من جنسها: لذلك، فقد حررت ماركيز دي ميرتويل، امرأة ذات مبدأ، نفسها من وضعها كامرأة من خلال أخذ الحريَّة لتشكيل نمط حياتها الخاص، من خلال رفض القواعد الأبويَّة التي تهيمن على المجتمع، من أجل قلب علاقات الهيمنة وتصبح مسيطرة. ومع ذلك، من خلال السيطرة على الآخرين، من خلال أن تصبح محرّك الدمى الخبير، تتغلب على الجميع وتصبح في الأساس شريرة. هذا هو الثمن الذي يجب دفعه مقابل التحرر والتمكين والحريَّة. تحرير ساحرة حديثة، لا يخضع لرجل ولا للنظام الذي تتحايل عليه من خلال نظامها الخاص.
بسبب رغبتها في التحرر، وانتهاكها القواعد الأخلاقيَّة والأبويَّة للمجتمع، ارتبطت في وقت مبكر بشكل الساحرة، وبالتالي، جسدت النسويَّة من خلال رغبتها في التخلص من ظروف المجتمع. نساء وقتها. نضالها نبيل، ووسائلها مشكوك فيها، مما يجعلها ساحرة عصريَّة مثاليَّة.
إذاً، هنا قمة شخصيَّة صغيرة لأفضل ماركيز دي ميرتويل في الأدب، أفضل ساحراتنا المعاصرات- لا ينبغي الخلط بينها وبين الأشخاص الذين يمارسون شكلاً من أشكال ما يسمى بالسحر الحديث اليوم- الشخصيات النسائيَّة المرتبطة بشكل صريح بالسحر، لأنها تجسد شخصيَّة تحرر الأنثى، ليس بالضرورة خيرًا، وليس بالضرورة سيئًا ولا شريرًا. لكنها قوية!
كلود في حفل الغائبين لكاثرين دوفور:
رواية غريبة: محاربة في العصر الحديث، تقاتل من أجل بقائها في عالم معاد، وخاصةً معاديًا للنساء: العالم المعاصر. من خلال استعارة المنزل المسكون الذي يجب احتلاله، تستخدم كلود الحيل والخدع من جميع الأنواع لتحقيق غاياتها وللقيام بذلك، تلجأ إلى الوسائل النموذجيَّة لشخصيَّة الساحرة. إنها تسلح نفسها، على سبيل المثال، ليس بدون سخرية، المكونات الأساسيَّة لأي ساحرة تحترم نفسها. لمحاربة الأشرار الذين يريدون حياتها، تلجأ إلى التسمم- وهو السم الذي كان مخصصًا لها. وينتهي بها الأمر أيضًا إلى تبني نوع من المخلوقات الجهنميَّة المألوفة الأكثر تفردًا والتي تخضع لإرادتها. من ضحيَّة، ضحيَّة المجتمع، ضحيَّة الأشباح، ضحيَّة المحتالين، تصبح ساحرة في العصر الحديث. من هذا المنطلق، تشبه كلود، بطريقة ما، ماركيز دي ميرتويل: للبقاء على قيد الحياة، تختار اللاأخلاقيَّة إن لم يكن الفسق: فهي تسرق، وتسمم، وتقتل، وتفرح، وحتى تشمت، بشكل خبيث.
إنها بائسة جدًا لتظل صادقة، فهي تواجه العالم بشكل غير قانوني وتفلت من العقاب، فإنَّ الأخلاق لا تصنع للنساء، ولا العدالة في هذا الشأن، كنتيجة للقصة.
جانينا دوتشيكو، عن عظام الموتى لأولغا توكارتشو :
جانينا دوتشيكو هي أيضًا ساحرة في العصر الحديث، ومع ذلك فهي تجمع العديد من الخصائص الفريدة للتصوير التقليدي للساحرة الخرافيَّة. يرتبط عالمها أيضًا بهذه الحكايات التقليديَّة. تعيش جانينا وحدها في كوخ منعزل، في قرية صغيرة في وسط الغابة، على أطراف العالم. إنها “المرأة العجوز المجنونة” في القرية، بإسرافها وإرادتها في إسقاط الأقوياء، وخاصة الصيادين الذين تكرههم- في الواقع، في الحكايات، ينتهي الأمر بالصيادين المتحالفين مع الساحرات دائمًا بخيانتهم. إنها عجوز ومعتنى بها بشكل سيئ، عازبة. تمامًا مثل ماركيز دي ميرتويل، فإنَّ جانينا امرأة ذات مبدأ وتناضل من أجل تقويض علاقات الهيمنة على العالم الذي تعيش فيه، وهي غاضبة من إفلات الأقوياء من العقاب. لهذا، تلجأ أيضًا إلى الوسائل غير الأخلاقيَّة لتحقيق غاياتها، منتهكة القوانين البشريَّة دون خجل.
كاثي ليندون، مرتفعات ويذرينغ
بقلم إميلي برونتي:
في رواية إميلي برونتي، تأتي كاثي ليندون من الجيل الثاني من الشخصيات الرئيسة مع سلالة نسب معذبة مثل القدر: وهي ابنة كاثرين إيرنشو وإدغار ليندون. والدها رجل نبيل، والدتها هي روح حرة ومتقلّبة، وغالبًا ما تكون شريرة، وحتى مجنونة. إنها تحب هيثكليف بشدة، وهو يتيم ذو ماض مظلم يظهر في رواية الانتقام والشر: إنه نموذج أصلي من الملعونين. وهكذا، كاثي ليندون ستكون في بداية الرواية مرتبطة مباشرة بالسحر. في الواقع، أثناء منافسة لفظيَّة مع جوزيف، موظف في التركة، هددته بجريمويري من خلال التذرع بمعرفتها بمصطلحات “السحر الأسود”. ومع ذلك، إذا كانت الرواية مستوحاة من القوطيَّة، فلا مجال للسحر، فهذا التشبيه يأتي من الخرافة التي تلعب بها كاثي لتخويف جوزيف. إذا لم تكن ساحرة بالمعنى التقليدي للمصطلح، فهي مع ذلك ساحرة حديثة: ستكون وقحة بالنسبة للبعض، إذا لم تكن في الواقع قويَّة وشجاعة. في الواقع، إنها تقف في وجه هيثكليف، أي الشخصيَّة المهيمنة بامتياز في الرواية، سواء كانت الشيطان أم لا. لا تطيعه وتحرّر نفسها من نيره. إنها ممثّلة جميلة للسحرة المعاصرين، مثل والدتها التي هي أيضًا امرأة ذات مبادئ، أكثر غموضًا وعنفًا من ابنتها، وبالتالي فهي أكثر روعة.
تيتوبا، أنا، تيتوبا، ساحرة... بقلم ماريز كوندي
تيتوبا، على عكس الشخصيات السحريَّة الحديثة الأخرى التي تمت مناقشتها حتى الآن، هي ساحرة حقيقيَّة: لقد بدأت في السحر من قبل مان يايا، المعالج القديم الذي علمها كيفيَّة التواصل مع أرواح الموتى، كما أنها تمارس الهودو وفي ذلك، إنها ساحرة- يتم التعامل مع الهودو في الرواية بطريقة رائعة، كعنصر خارق للطبيعة. إنها تعرف أيضًا قوة النباتات للشفاء. من هذا المنظور، فهي شخصيَّة ساحرة تاريخيَّة، لأنها تعرف طبَّ النبات: إنها تعالج. هذا هو السبب في أنها ستحكم على سالم في محاكمة الساحرة الكبرى، حيث سيتم اتهامها بالاتفاق مع الشيطان بينما لا تخضع لأي كيان ذكري أو كاثوليكي أو حتى شرير. لكن تيتوبا تقترب أيضًا، وهذا ببراعة رائعة، من صورتنا عن الساحرة الحديثة لأنها امرأة مبدئيَّة، تكافح من أجل البقاء، على الرغم من العنف والإهانات التي عانت منها طوال حياتها كعبدة، سوداء وكامرأة، شخص صالح: ستبقى قويَّة في قناعاتها وإرادتها لتكون إلى جانب الخير والحب والمشاركة والكرم واللطف والتواصل مع العالم. وبهذا المعنى، فهي مثال لنا جميعًا.
سولا بيس، توني موريسون:
سولا بيس هي بطلة غامضة للغاية، هناك تشابه محتمل بينها وبين ماركيز دي ميرتويل. سولا امرأة تحرّر نفسها من وضعها كامرأة ومن وضعها كامرأة سوداء في مجتمع أبوي مع العزل العنصري. بكل بساطة، سولا هي رمز: إنها امرأة سوداء، في أميركا الكارهة للمرأة والعنصريَّة، قرّرت أن تعيش كرجل أبيض، حر، ونتيجة لذلك أصبحت فاضحة في عيون الجميع. ترتبط بالسحر من خلال أشكال مختلفة، تبدأ ببقعة على العين ذات شكل غير محدّد- وردة، ثعبان، شرغوف- والتي تشبهها إلى فلكلور السحرة والعلامة الشهيرة للشيطان. رأت والدتها تحترق حيَّة، مثل الساحرة، وتعيش الحياة والموت بألعاب قاسية. أهم حدث هو عودتها إلى موطنها الأصلي، بعد سنوات من المنفى، عودة مصحوبة بغزو الطيور التي أظلمت السماء قبل وصولها، مثل طاعون. تطير الطيور وتموت من حولها، ثم تتجول سولا حول الحي، مثل نجمة سينمائيَّة، في فضلات وجثث روبينز. ولكن أكثر من أي شيء آخر، موهبتها الخيميائيَّة في الخلق، والتي لا تفعلها. يمكن أن تمارس في أي فن. في هذا هي خطرة، وهذا ما يدفعها إلى التحرّر من كل شيء، من حالتها كامرأة سوداء ولكن أيضًا وقبل كل شيء من الأخلاق.
فضولها، ذوقها في التجريب، مذاقها وسعيها وراء الحب المطلق، يصل بها إلى نهايتها، نهاية قاهرة، بابتسامة على وجهها رغم أنها ماتت، يكرهها الجميع. إنها شخصيَّة معقّدة، ساحرة من نواح كثيرة، داخليَّة وخارجيَّة، ساحرة حديثة ممتازة، ثمرة أفضل منا، العظيم توني موريسون الذي نفتقده بشكل رهيب في عالم لا يزال بحاجة إلى الكثير من موهبته الخاصة للاستعارة، كتاباته الشامانيَّة واستبصاره.
يقول آلان مور، إنَّ السحرة الحقيقيين اليوم هم مؤلفون وكتاب وشاعرات، لأنهم ينيرون ضمائر الحكمة والاستبصار بكيمياء كلماتهم القويَّة والأساسيَّة، الفن، مثله مثل السحر، يتألف من التلاعب بالرموز أو الكلمات أو الصور لإحداث تغييرات في الوعي. في الواقع، إلقاء التعويذة هو ببساطة قول، التلاعب بالكلمات، لتغيير وعي الناس، ولهذا السبب أعتقد أنَّ الفنان أو الكاتب هو أقرب شيء في العالم المعاصر، من الشامان.