الفساد و «فترة مقبلة»

آراء 2023/07/06
...

  نرمين المفتي
كان تنفيذ ملاكات هيئة النزاهة لأمر القبض الصادر بحق مدير مكتب تحقيق الهيئة في محافظة الأنبار بعد اعترافات مدير تقاعد الأنبار السابق المتهم بالفساد، دافعا جديدا سواء للاعلام أو للناشطين ضد الفساد بكشف ملفات فساد جديدة وبالوثائق، فقد أظهر هذا الإجراء جدية هيئة النزاهة بالعمل على مكافحة الفساد
 وإن كان مشوار إيقافه والقضاء عليه طويل والسبب قد نفهمه من مصادر عن الهيئة، التي صرحت عقب إلقاء القبض على المتهمة (زينة سعود) في حزيران 2010 بأنها، أي زينة، ستكون الفاسد الكبير (حجم الفساد صغير أو متوسط أو كبير لا يعتمد على وظيفة السارق أو المختلس، إنما على حجم الأموال المنهوبة)، الوحيد الذي يلقى القبض عليه لأنها كانت تختلس وتنهب لوحدها، بدون وجود اية قوة كبيرة خلفها أو
 معها.  وبالفعل، سمعنا ونسمع سواء من السياسيين وبينهم رؤساء كتل سياسية مؤثرة، وكانوا بأعلى هرم المناصب العامة أو في البرامج الحوارية التلفزيونية عن تورط (رؤوس كبيرة) في الفساد، مما يصعب الكشف عن جميع المتورطين بملفات الفساد الكبيرة.
ولو راجعنا بيان هيئة النزاهة الصادر في 19/1/2013 الذي يقول إن محكمة جنايات الرصافة في بغداد، حكمت بالسجن المؤبد على المتهمة (زينة سعود فريح) بعد إدانتها باختلاس مليارات الدنانير من خزينة الأمانة، سنجد اشارة إلى أن قرار الحكم تضمن أيضا مصادرة أموال المتهمة المنقولة وغير المنقولة، قائلا «مصادرة أموال المتهمة المنقولة، وغير المنقولة وتسجيلها باسم وزارة المالية بعد اكتساب الحكم درجته القطعية»، علما أن البيان أكد أن من ضمن ذلك «الأموال التي هربتها إلى الخارج وأودعتها في مصارف بالأردن ولبنان والعقارات المشتراة لصالحها في بيروت». وأضاف البيان أن المحكمة «أشعرت هيئة النزاهة بقراراتها، لغرض بدء دائرة الاسترداد فيها، إجراءات استعادة تلك الأموال بعد اكتساب الأحكام درجتها القطعية». وكانت هيئة النزاهة قد اعلنت في 20 حزيران 2011، الحكم على زوجها بالسجن ثلاث سنوات بتهمة الاختلاس ومصادرة عقارين كان قد سجلهما باسمه وتم شراؤهما بالأموال المختلسة. اذن، لماذا إطلاق سراح احد المتهمين بسرقة القرن وإن بكفالة ليتمكن من بيع العقارات المسجلة باسمه؟ ولماذا لم يتم استجواب زوجته، التي تم تسجيل العديد من العقارات في بغداد باسمها؟ مع الفرق الكبير بالأموال المسروقة بين جريمة زينة وسرقة
القرن!
في كتاب (زينة والخزينة) الذي ألفه الراحل (علي زين العابدين) والصادر عن هيئة النزاهة عن جريمة (زينة سعود) نقرأ عن اساليب تهريبها للأموال، وكيف أسست لشبكة من المصارف كانت تتعامل معها لتضليل مطاردتها، ففي يوم واحد مثلا كانت تحول مبلغا ماليا إلى مصرف في البرازيل، وبعد سويعات تحول بعضه إلى مصرف في لبنان وبعضه الآخر إلى مصرف عربي آخر أو أوروبي، وهذه كانت تعمل لوحدها، فكيف بمطاردة الذين ينهبون المليارات من الدولارات وليسوا
لوحدهم؟.
 وان كانت (رؤوسا كبيرة) متهمة بالفساد أو بأنها تحمي الفاسدين، فإن السبب الرئيس للفساد هو المحاصصة، وهذا ليس رأيي فقط، انما رأي الجميع، مسؤولين وسياسيين وصحفيين واقتصاديين.
وجميعا نتذكر قول مندوبة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق (جينين بلاسخارت) في تشرين الاول 2022 في احاطتها امام الاجتماع الدوري لمجلس الامن لمناقشة الوضع في العراق بإن الطبقة السياسية والحاكمة في بغداد، فشلت حتى الآن في وضع المصلحة الوطنية فوق أي شيء آخر، وشددت على أن «الفساد سمة أساسية في الاقتصاد السياسي في العراق، وهو جزء من المعاملات اليومية، ولست أنا من يقول هذا فقط، إن ذلك أمر معترف به». واضافت «إن المصالح الحزبية والخاصة تُبعد الموارد عن استثمارات مهمة في التنمية الوطنية»، أي أنها بصورة أو بأخرى أكدت أن المحاصصة هي السبب الرئيس للفساد، وهذا ما أكده ايضا المستشار المالي لرئيس مجلس الوزراء (د. مظهر محمد صالح) في حوار سابق مع (الجزيرة أونلاين) قائلا: إن سبب الفساد في «تركيبة النظام السياسي التي تعتمد المحاصصة الحزبية في تشكيل
 الحكومات».
وفي حوار صحفي، كشف عضو الاطار التنسيقي (علي الفتلاوي) أن «من أبرز شروط السوداني قبل تسلمه رئاسة الحكومة العراقية التي طرحها على جميع القوى السياسية، إطلاق يده بمحاربة الفساد وفتح كامل لملفات الفساد، لكن هناك توقيتات زمنية لكل ملف حساس، والفترة المقبلة، سوف تشهد فتح الكثير من ملفات الفساد الخطيرة والكبيرة»..
وينتظر العراقيون جميعا هذه «الفترة المقبلة» ويعرفون مسبقا أنها مهمة ليست بالهينة أبدا ويؤكدون بأنهم يقفون يدا بيد معه ويحمون
ظهره..