البصرة: صفاء ذياب
في محاولة منها للخروج بقراءات جديدة لفهم السياسة الثقافيَّة في الدول العربيَّة، أصدرت مؤسسة المورد الثقافي مطبوعها الخاص الذي عملت على إنجازه من العام 2000 وحتى تاريخ صدوره في شهر آذار من هذا العام، هذا المطبوع الذي كان تحت عنوان (أصوات جديدة في السياسات الثقافية.. المنطقة العربية 2019- 2022، شارك فيه خمسة باحثين على مدى أربعة محاور، وهي: في الحقوق الأساسية والتنوع الثقافي، أسئلة في التمويل الثقافي، وعن التشريعات الثقافية ومحاولات التغيير.
وأشارت حبيبة العلوي، منسقة الورشة، أن هذا العمل هو نتاج ورشة بحث مفتوحة أطلقتها مؤسسة المورد الثقافي في كانون الثاني/ يناير 2020، كان هدفها الأساس اجتذاب ودعم أصوات بحثيّة جديدة تعي بمسألة السياسات الثقافيّة بالمنطقة العربيّة. لم تكن هذه المهمّة بالسهلة بالنظر لقلّة الخبراء المتخصّصين في هذا الموضوع، ولحرجه في منطقة غير مستقرّة سياسيّاً، واقتصاديّاً، واجتماعيّاً.
مبينةً أنَّ هذه الورشة نجحت في استيعاب رؤى متعارضة أحياناً، اتّسم بعضها بالحدّية والتصادم مع الجهات الرسميّة مثلاً، في حين تبنى البعض الآخر نوعاً من الدبلوماسيّة والمرونة في التعامل مع الجهات
الحكوميّة.
محاور العمل
قسّمت الورشة إلى ثلاثة محاور وهي كالتالي: الأول (في الحقوق الأساسية والتنوع الثقافي)، وقدم فيه حسام الثني دراسته (النفوذ السلفي في المجتمع والدوائر الرسمية وتهديد المجتمع المدني الداعم للتنوّع الثقافي في ليبيا)، والبروفيسور فراس السواح (بلدة القدس القديمة: موروثٌ ثقافي في مدينة مقسّمة)، والباحثة مريم مهاجي (الأسود وألوان التنوّع الثقافي في المنطقة المغاربية).
أما المحور الثاني (أسئلة في التمويل الثقافي)، فشارك فيه حسام الثني (في إشكالات تمويل قطاع الثقافة في ليبيا)، ونيللي عبود (المتاحف اللبنانية في الأزمات وسبل التمويل)، ومريم مهاجي (التمويل الثقافي في قطر والسعودية والإمارات: توظيف الثقافة لصالح الرؤى التنموية والسياسة الناعمة). في حين جاء المحور الثالث (عن التشريعات الثقافيّة ومحاولات التغيير)، بدراستين، وهي: (حرية الإبداع في التشريع المصري) لأميرة السباعي، و(السينما الجزائرية بين النص القانوني والتطبيق.. التقنيون أبرز الضحايا) لمريم مهاجي. واختتمت الورشة بالمحور الرابع (عن جائحة كورونا وتجربة الرقمنة)، وقدمت فيه دراستين وهي: (قصصكم من البيت للبيت «تنقل المسرح الارتجالي إلى الفضاء الرقمي») لنيللي عبّود، و(تطوّر صناعة الرسوم المتحرّكة في المنطقة العربية: الجزائر والسعوديّة مثالاً) لمريم مهاجي، و(سبل تعزيز التنوّع الثقافي، وربطها بخطط استتباب السلم الأهلي.
ومن أهم الموضوعات التي تحدّثت عنها الورشة، بعد اشتغالاتها عن البنيات الثقافية والمرجعيات الفكرية، هي إشكالات تمويل القطاع الثقافي، بين الحق في التمويل العمومي وضرورة التنويع، ومطلب الشفافيّة.
ومن ثمَّ تناولت الورشة سبل التشبيك بين المؤسسات الثقافيّة المستقلّة لبناء قطاع ثقافي مستقل قوي داعم لمطالب المجتمع المدني، وسبل تأسيس اقتصاد ثقافي رقمي يواكب ويلبّ الحاجات الثقافيّة للأجيال الجديدة المرتبطة بالفضاءات الرقميّة.
ومن المحاور المهمة أيضاً: إشكالات التنوّع الثقافي وعلاقته بالسلم الأهلي، وإشكالات تمويل القطاع الثقافي، إشكالات التشريعات الثقافيّة وسبل تحديثها بما يتوافق والاتفاقيات الدوليّة، واقع إسهام البنى الرقميّة في المجال الثقافي العربي وسبل
تعزيزه.
ومن ثمَّ لقد كانت مسألة التنوّع الثقافي من أحرج المسائل التي يمكن أن يخوض فيها الباحثون في منطقة متأجّجة بالصراع السياسي ذي الخلفيّات الطائفية والقبليّة والدينيّة، بهذا المبحث برغم حساسيّته الكبيرة خاصّة منهم المقيمون بالمنطقة. كما كانت مسألة تمويل القطاع الثقافي عصيّة على الرصد بالنظر إلى شحّ المعطيات المنشورة وتقليد التحفّظ الذي عادةً ما تتبنّاه مؤسساتنا الرسميّة. كما وجد الباحثون صعوبة في طرق باب التشريعات بالنظر إلى الاستقرار الذي عرفته التشريعات الثقافيّة في المنطقة وقلّة التحيينات (التحديثات) الحاصلة في الفترة محلّ الدرس. أمّا موضوع الرقميّة فكان بوابة لاستشراف التحدّيات التي تواجه المنطقة في هذا المجال الحيوي برصد بعض التجارب الخجولة، التي عرفت كيف تستند إلى هذا الفضاء الذي فضحت فترة الجائحة افتقارنا إلى بنية تحتيّة تدعمه، وإلى مهارة كافية تعزّز من فرص استغلاله الأمثل في القطاع الثقافي، في منطقة ممتدّة جغرافياً وممزّقة سياسياً تعوز إلى فرص التعاون والعمل المشترك الذي قد يكون الفضاء الرقمي سبيلاً حيويّاً لها، مع غياب المبادرات السياسيّة الكبرى التي تعزز سبل التعاون الأكثر عمليّة، أو تتيح لها في الأقل الحق في الوجود والتجريب، النجاح أو
الإخفاق.
ويمثل هذا العمل - بحسب العلوي- محاولة جادّة ومتواضعة في تحريك الساكن عربيّاً، في مجال حسّاس يتعلّق بالشأن الثقافي أولاً، ومن ثمّ يؤثّر ويتأثر بالشأن السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ذلك أنّ مجال السياسات الثقافية هو مجال تتحرّك فيه أغلب المجالات التي تتعلّق بالتنمية، والتي ترتبط بترقية ما هو إنساني خالص في حياتنا وواقعنا، ولذلك فالقصد كل القصد هو في أن يكون فاتحة ومناسبة لإطلاق وانطلاق مبادرات أخرى مدنية وحكوميّة وخاصّة، ثقافيّة وسياسيّة واقتصاديّة واجتماعية، تسعى لترميم وضعنا العربي المتهالك في ضوء رؤية جامعة
ومتنوّعة.