الاعتدال ميزان العقل

آراء 2023/07/08
...








  عصام كاظم جري

قطعا أن في الاعتدال قوة عقليّة فائقة، وبه نؤسس لفكرة الحكمة وقال تعالى في محكم كتابه المجيد «وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا»
وقال «الحكمة ضالة المؤمن»، إذا الخير، وحسن التقدير والتدبير، ودماثة الخلق، والقناعة والهدوء وطلاقة الوجه والتسامح... إلخ، من صفات الإنسان الحكيم، وما عدا هذه الصفات، لا تعدُّ أخلاق المرء سوى وقاحة وخبث ومكر وخيانة وتقتير وحسد وعبث... إلخ، والاعتدال استعلاء ضد الانقياد والقباحة والخبث والرياء، وهو ليس جزءًا من الفضائل، بل منظومة فضائل متكاملة، وبالأحرى هو جامع الفضائل.
إن مبدأ الوسطية مستمد فكرته من العقل المعرفيّ، ومنسوب إلى الإرادة الذهنيّة، وهو المعرفة بصواب العمل. ومن أجل تعزيز الثقة وتحقيق المساواة بين صفوف الناس، لا سيما الشباب منهم، وتلبية تطلعاتهم المعرفيّة والعلميّة والمهنيّة في مجالاتهم العمليّة والمدنية، مثل منظمات حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الأخرى، فضلا عن المنتديات والملتقيات الثقافيّة والأدبيّة والفنية والفرق الطوعية وغيرها، لا بدّ من الشروع أولا بتأسس فكرة الاعتدال وزراعتها في مسيرتهم، والعمل بها كفريضة ثقافيّة وإنسانيّة واجتماعيّة.
والاعتدال اتزان في القرار والحكم والرأي والموقف، وهو ملازم للوسطية التي تكبح جماح الأهواء الذاتيّة والنفسيّة، وتقمع رغبات الذات من تفرد وتسلط وتحكم وانقياد وراء التعصب العنصريّ والدينيّ والمذهبيّ والقوميّ والفئوي والقبائلي... إلخ، فضلا عن قدرة الاعتدال في ضبط إيقاع ضلال النفوس، ومن أجل تكريس حقوق الإنسان من الضروري جدا العمل بفضيلة الاعتدال كخارطة طريق بمشاركة الجميع، دون النظر إلى الفئة والجنس والقومية والدين والانتماء، وإن دواعي مشاركة الجميع بالحوارات واحترام طرح الآراء، وحلحلة الخلافات والقضاء على شتى أنواع الإرهاب والتطرف العنصري، هو إعادةُ الثقة بالنفس الإنسانيّة، وتمكين الفئات الضعيفة والأقليات من تعزيز أمنها وقدرتها على التواصل.
وبذلك يتحقق السّلم الأهليّ والمجتمعيّ بدون معوقات، ومن الضروري أيضا فتح جميع النوافذ أمام فكرة الاعتدال فهو أهم فضيلة إنسانيّة ومعرفيّة، وبالتعايش السّلمي والأهليّ والمجتمعيّ تنمو روح المحبة، ويعم التساهل والتسامح والوئام بين الجماعات، حيث ستسعى كل جماعة إلى تعظيم طقوس وشعائر الجماعة الأخرى، واحترام هويتها وتاريخيها، ونحن على دراية تامة بأن الشعوب والأمم جماعات.
ومن أجل الحفاظ على نسيج البيئة الاجتماعيّة وصناعة مفاهيم السّلم الأهليّ، لا بدَّ من بناء مشاريع إنسانيّة تهدف إلى تعزيز قدرات الإنسان، ومحاربة الصراعات والمنافسات غير الواعية، والسعي من أجل خلق منافسات بديلة بمزايا الفريق الواحد والروح الواحدة للوصول إلى الغاية والهدف الأسمى من الضياع والمناكفة والتشدد.
إن الإفراط بالتطرف وزيادة معدلاته ليس مكرا أو حيلة أو تشاطر، وإنما سوء تدبير ورداءة في الذهن وصفاقة في الرأي، ولعلّ أهم مصادره ارتفاع معدلات سوء الفهم، وقلة الإحاطة بصواب الأفعال، وترجيح الشك على اليقين.
حتما إن الحمق والتهور وغيرهما من هذه الصفات تقف وراء الإفراط بالتطرف. وختاما نستطيع أن نصف الاعتدال بميزان العقل.