خضير الزيدي
تختلف أعمال سلام عمر بين فترة وأخرى في تمثّل المعنى الذي تقصده أو تشير إليه، وهذا التوجه لا يعني ارتباكا في الأسلوب بقدر ما يعني إغناء الفكرة وتجديد ما يمكن إحياؤه أمام عين المتلقي.. وسبق أن رأينا لهذا الفنان أكثر من معرض يلجأ فيه إلى إنجاز وحدة موضوعيَّة في اشتغاله الفني والجمالي. وقد عكست منجزاته منذ ثمانيات القرن المنصرم صدقا في التعبير وإمكانية في استخدام التقنيات، وكنا نلتمس في جديد معارضه ما يمثل إزاحات وتحولات بنائيَّة تقترب من مبدأ التغيير وفقا لمعيار جمالي يرى فيه الفنان موضوعاً مطلقاً وعليه أن يواكب السير للامساك بكل ما من شأنه أن يضيف ميدانا وإدراكا مختلفا في عالم الفن وهذا ما نلتمسه من خلال عشرات الأعمال التي تناول فيه موضوعة الديك وبتقنيات الرسم المختلفة (كالطباعة الحريريَّة على بلاكسي غلاس وايضا كنفاس مع اكرليك وزيت).. فما الذي أسس له من فكرة رسم الديك، ولماذا هذه العينة أخذت جانبا في مساحته الفنية بعد أن تحقق له النجاح في إنجاز اشتغال الحقائب أو الكتب المحترقة، فهل يعني هذا التغيير تدرّجا في عمله أم تحركا يعبر عن جوهر فكرة معينة؟.
من يقترب من هذا الفنان وهو يمارس اشتغالاته الأخيرة سيقتنع أن بين يديه تتجلى صورة الفن الذي نبحث عنه ليس بوصفه ممارسة وحرفة تلازمه، بل لأنَّ الفن لديه استثناء وكأنّه ممارسة تضيف له حريته، وأحسب أنه يتصارع مع أية فكرة تقبل الخطأ أو تقدم تصورا لا يحسب له النجاح. سلام عمر فنان يقرب المعنى وهو بكامل أهميته ويوافق بين مواد مختلفة ومتناقضة لأجل استثمار طاقة التوافق والنجاح، ولهذا السبب تتضاعف لديه المسؤولية في تحقيق جذر موضوعي يبحث عنه مثلما يحدث في رسم (الديك) فقد أنجزه بشكل ملفت من حيث الهيأة والقوام والشموخ، وقد بدا في هيئات مختلفة ومنها الشموخ والدم يتقاطر منه، وهي بقدر ما تلفت أنظارنا إلى الشحنات الدلاليَّة التي تزخر بها هذه الصورة إلا أن صورة المقاومة وعدم الركون تبدو في متاهة تجرنا إلى أكثر من تأويل. وهذا التنازع في دورة الحياة يوجز لنا أهمية رمز الديك وما يمدنا به من بعد أسطوري أو ميثولوجي أو واقعي، المهم عند سلام عمر أن لا نغفل عن ارتباطه الفكري ومرجعيات هذا (الطائر الأليف) تبدو طريقة عرض الديك وكأنّها تستدعي أحكاما ذوقيَّة فما تسمح به الاشارات الدالة، انما لتكون الاثارة الشكلية هي الهدف الرئيس، فهو يوسع من نتاج خطاب الفن مقابل الذائقة وأحسب أنه يثير فينا حساسيَّة من إيقاع ثقافي معين يعيدنا الى البعد الميثولوجي والواقعي في رسالته لرسم الديك.
ولا غرابة من القول إن هذا الاشتغال لصيق بممارسة إبداع فني معين فقد سبق لأكثر من فنان أن وظف الديك مثل جواد سليم واسماعيل فتاح الترك وشاكر حسن آل سعيد وحيان عبد الجبار، وكان لكل منهم طريقته وإيحاؤه وطاقته في ديمومة رسم مثل هكذا عناصر في اللوحة والغالب من الاشتغالات تأخذ جانبا دلاليا وجماليا، وبما أن سلاما يصر على التجديد في الفن فسيكون لرمز الديك وأشكاله المختلفة ما ينافس الفعل الجمالي لتكون صيغة الرسم هنا نقطة شروع لن نختلف عليها طالما لوحته باقية في ذلك الافتنان حتى وهو يذهب بها باتجاه الموروث الشعبي او يسحبها الى عمق دلالي وبعد ثقافي معين لنرى صورة الفن في تمثيل الواقع أكثر انسجاما وتأثيرا، ولا يمكن التفريط بها لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها في هذا المقال، نقول إنَّ ما يستلزم الفن سيبدو قائما على أساس الجذر الموضوعي وخاصيته وما على الفنان إلّا أن يحرر أشكاله من رمزيتها ويعطيها مساحة تصويريّة توفر للمتلقي شعورا بضرورة الفن بيننا، ولهذا السبب تبدو رسالة سلام عمر في الفن مادة للتخاطب مع الآخر كل ذلك، إنما وليد دوافع مخيلة تتطلع الى فن حقيقي يغنينا ويمدنا بشعور يعزز من الخطاب الفني والجمالي للأعمال العراقيَّة الرصينة.