سعد الراوي
يُعد حق الترشيح للمجالس النيابية أو المحلية حقا مكفولاً في الدساتير والمواثيق الدولية لكل مواطن من حيث المبدأ، وهذا هو الاتجاه الغالب في الفكر الديمقراطي المعاصر، حيث يسعى نحو توسيع قاعدة المشاركة، ومع ذلك لا يخلو حق الترشيح من شروط قانونية وإجراءات تنظمه، لأنه سيتولى مهام جديدة ويتحمل مسؤولية تمثيل الآلاف في المجالس المحلية أو النيابية، وتأسيساً للمهام الملقاة على عاتقه وضعت القوانين الانتخابية شروطا لا بد من الالتزام بها وتوافرها حين التقديم للترشيح.
فمنذ بدء الحديث عن موعد لإجراء الانتخابات لمجالس المحافظات وحتى قبل تحديد موعدها، نرى ونسمع عن الكثير أعلنوا في وسائل التواصل الاجتماعي بأنهم مرشحون لمجلس محافظتهم القادم، لكن لو نسمع لتساؤلاتهم وآرائهم لأصابنا العجب عن كيفية تقدم الكثير منهم للترشيح، وفقدان المعيارية في الترشيح، وقلة إن لم نقل انعدام المشاريع السياسية هي أبرز معالم هذه الفوضى وممكن نوجز ذلك بنقاط مختصرة أهمها:
1 - ندرة وجود أحزاب لديها تنظيم محكم وعمل سياسي دؤوب ومشروع سياسي وخطة انتخابية، بضمنها طريقة لتقديم وتقييم واختيار المتقدمين للترشيح.
2 - كثير من الأحزاب تبحث عن مرشحين لديهم ثقل عشائري أو جماهيري لفقدانهم ما دُون في الفقرة أعلاه، وهذا ما جعل التسابق محموما لإظهار قوة المرشح، وقد نجد بعض المرشحين يساوم الأحزاب بكثرة مؤيديه ليطالب بدعم مادي ومعنوي.
3 - وجود ثقافة منتشرة بأن الأحزاب فشلت، فنجد كثرة المرشحين الذين يعلنون بأنهم مستقلون ولا ينتمون لأي حزب. أو يظهر استقلاليته ويضمر انتماؤه.
4 - نزول بعض النشطاء في المنظمات الإنسانية أو الاغاثية كمرشحين، ويتصورون عملهم كنشطاء سيكون له تأثير كبير على الناخبين ويجزم بأن فوزهم حاصل.
5 - هناك عشائر تعلن فلانا مرشحنا، وبعد فترة ينزل آخر، وعندما تجد أحزابا أن مرشحهم قد لا يحظى بتأييد عشيرته، تبدأ هنا إشكالات جديدة بينهم.
وهناك عشائر ترفض الخوض في هذا المضمار، وبعد فترة تظهر أعداد كبيرة من المرشحين.
6 - هناك تساؤلات من كثير ممن يتقدم للترشيح توحي بأن لا علاقة له بالسياسة ولا بالانتخابات وأنظمتها وقوانينها وإجراءاتها، وعندما توجه له سؤالا ما سبب ترشيحك، فيجيب فوراً أريد التغيير، وهؤلاء فاسدون والحزب الفلاني مسيطر، والشخص الفلاني بلغت أمواله عنان السماء، ويستغرب عندما نسأله ما هو مشروعك للتغيير والإصلاح، يجيب فوراً إزاحة فلان أو الحزب
الفلاني.
7 - طلب أحد المتقدمين للترشيح مساعدة، فقلت له هل قرأت قانون الانتخابات قال لا، قلت له هل تعرف عمر المتقدم للترشيح قال لا، فقلت كم عمرك قال 23 سنة، قلت له أنت خارج عمر الترشيح، وامرأة أخرى متقدمة للترشيح سألتها كم عدد أعضاء مجلس النواب، فقالت بحدود 240 عضوا، فقلت لها لو كان أمر قبول ترشيحك بيدي لرفضته فوراً، هناك جهل كبير بإجراءات وشروط الترشيح وأشد منها في المنظومة الانتخابية برمتها ومع الأسف حتى عند الأحزاب السياسية.
8 - لشدة التنافس بين الأحزاب نرى أن الحزب الفلاني يختار مرشحا مضادا لمرشح آخر من العشيرة نفسها لحزب آخر، وتتكرر لكثير من الأحزاب.
9 - لا نستغرب نزول مئات المرشحين في كل دائرة انتخابية، وكل من لم يفز سيلوم الناخب والحزب ويطعن بعمل المفوضية.. إلخ، بسبب قلة درايته بمجمل إجراءات الترشيح وضوابط إدارة الحملة الانتخابية وكسب الناخبين.
حتى لا نسهب في فوضى الترشيح، لا بد من طرح رؤية لمعالجة هذه الظاهرة ونلخص رأينا المتواضع بالنقاط التالية:
1 - إخضاع منظومتنا الانتخابية بكل قوانينها وأنظمتها للمعايير الدولية للانتخابات، بحيث تكون واضحة مفصلة قابلة للتنفيذ دون تأويل أو الرجوع إلى المحكمة الاتحادية.
2 - وضع توقيتات وجداول زمنية محددة للانتخابات سواء المحلية أو البرلمانية، ليتسنى للأحزاب والمرشحين تحديد موعد البدء بالترشيح والتهيئة بوقت كافٍ، إذ لم نجد حتى اللحظة اتفاقا رسميا بتحديد موعد الانتخابات.
3 - أن يكون هناك فصل خاص في قانون الانتخابات، يوضح شروط وضوابط الترشيح بشكل مفصل جداً، ووضع توقيتات زمنية محددة لقبول أو رفض المتقدمين للترشيح، فقد نجد قبول المرشح ومصادقة مجلس مفوضية الانتخابات عليهم وقبل أيام من الاقتراع، يتم رفض هذا المرشح أو ذاك وقد يكون بعد فوز المرشح، نجد أن شهادته مزورة لتأخر رد الوزارة أو الجامعة المعنية بشهادته، هذه كلها تؤثر سلبياً في معيارية قبول المرشحين، لذا نبقى نؤكد ضرورة مراجعة القوانين الانتخابية وتعديل كل الثغرات التي تتخلل فقراتها لمواكبة المعايير الدولية للانتخابات.
4 - ضرورة تأسيس معاهد للثقافة الديمقراطية والانتخابات، لرفع مستوى هذه الثقافة المتدنية حتى عند كثير من الأحزاب.
ووضع هذه الثقافة في المناهج الدراسية وعلى جميع المستويات.
كما نجده في معظم الدول الديمقراطية.
5 - إن معظم الأحزاب والمرشحين يفتقدون الاهتمام بمتابعة إجراءات مفوضية الانتخابات وإجراءاتها، فقد أصدرت مفوضية الانتخابات قبل أيام الجدول العملياتي التي تحدد فيها بتوقيتات زمنية كل ما تقوم به من الآن، وحتى يوم الاقتراع وإعلان النتائج، وبضمنها تحديد موعد تقديم قوائم المرشحين وموعد المصادقة عليهم، وأستطيع أن أجزم، ومن خلال متابعاتي أن 90 % وأكثر من الأحزاب والمرشحين لا يتابعون ولا يعرفون هذه التوقيتات مع كل الأسف.
6 - ممكن طرح مقترح بأن يكون لكل حزب مكتب انتخابات ضمن تشكيلات مكاتبه يتولى تثقيف وتدريب كوادر الحزب ومرشحيه الجدد، وقادت حملاتهم ويؤسس لمكتبة متخصصة للمعلومات الانتخابية والخرائط والبيانات وجداول الناخبين.