بانتظار الجيل النظيف

آراء 2023/07/09
...

 علي حسين عبيد


في حوارات جلْد الذات الكثيرة التي تدور بين العراقيين، لفتت انتباهي جملة أطلقها أحد المتحاورين مع آخرين حول كيفية صناعة مجتمع متطور ودولة عراقية متقدمة، هذه الجملة التي قالها أحد المتحاورين ليست جديدة، ولا هي محصورة بين المثقفين وذوي مستويات الوعي العالية، وإنما حتى بعض بسطاء الناس كانوا وما زالوا يرددونها، ومضمون هذه الجملة (إننا بانتظار جيل عراقي نظيف يبني الدولة والمجتمع)!

ولا أدري بالضبط ما هو المقصود بالجيل النظيف، لكنني سمعت من قائلها، إن الجيل النظيف عبارة عن مجموعة متجانسة من عقول غير ملوثة بالأمراض الاجتماعية والسياسية والنفسية التي تنتشر اليوم في المجتمع العراقي، ومنها مثلا فساد الموظف، وتدهور قيم وأخلاقيات المراكز الوظيفية في الدولة العراقية، وانتشار ظاهرة الفساد المالي والإداري، والهدر غير المسبوق في الموارد، وضعف القانون وتطبيقه على الضعفاء بشكل غير مسبوق، كل هذه العلل الاجتماعية والأخلاقية والسياسية، موجودة في رؤوس وعقول العراقيين، لهذا تفشّت بطريقة هائلة في ما بينهم، وباتت الدولة والمجتمع يعانيان منها لدرجة أننا أصبحنا بانتظار جيل جديد من (الأطفال)، قد يكون بإمكانهم بناء الدولة والمجتمع بصورة مختلفة وأسس جديدة بعيدة عن التلوث المادي الغريب الذي اجتاح مجتمعنا.

والآن علينا من باب الافتراض أن نناقش طبيعة هذا الجيل النظيف، الجيل الذي يفترض أنه يتكون من الأطفال الجدد الذين لم يعيشوا في ما سبق أمراض المجتمع الاجتماعية والسياسية، ولم تمر بهم سنوات الحروب الطائشة، ولا سنوات الحصارات المريرة، ولا تخلخل القيم وصناعة الحروب، التي دفعت الجنود لاستجداء أجور نقلهم إلى جبهات هذه الحروب البائسة، كل هذه التداعيات يجب على الجيل النظيف عدم المرور بها، ولا الاقتراب منها حتى بالخيال، لأنها سوف تلوث عقول هذا الجيل الجديد، وبالتالي فإننا سوف نُحرَم من بناء دولة معاصرة جديدة ومن مجتمع جديد ومعاصر.

ولكن هنالك نقطة لا يمكن إغفالها عند مناقشتنا لطبيعة هذا الجيل النظيف، وهذه النقطة يمكن توضيحها بالسؤال التالي: أين يتربى هذا الجيل النظيف الذي نحن بانتظاره، ومن الذي يربيه، وما هي البيئة الاجتماعية والسياسية التي تحيط به وتغذّيه؟، أليس العقول التي ستربّي الجيل النظيف، هي نفسها التي تلوثت بقيم الأنظمة السياسية الملكية والعسكرية الانقلابية؟، وإذا كانت هذه العقول المربية نفسها ملوثة فكيف لها أن تصنع جيلا نظيفا؟، إن العقل الملوث من المحال عليه صناعة عقل نظيف من باب (فاقد الشيء لا يعطيه).

لذلك فإن قضية انتظار جيل جديد نظيف وغير ملوث بعُقَد الماضي وأمراضه أمر غير واقعي ولا يمكن تطبيقه على المستوى العملي، وهذا يعني أن فرضية (الجيل النظيف) لم تعد قابلة للتطبيق لكي يبني العراقيون دولة معاصرة ومجتمعا متقدما، ما هو الحل إذن؟، الحل يكمن في تنظيف العقول من الأمراض والقيم الفاسدة لكل الأعمار، نعم يحتاج العراقيون إلى حملات تثقيفية لإعادة القيم العظيمة والإيمان بها مجددا لكي تعالَج العقول الملوثة، ويتم محاصرة الفساد بكل أنواعه، وتُعاد الروح إلى البنية الاجتماعية العراقية الأصيلة، تلك البنية التي كانت تحكمها الأخلاقيات والإنسانية والضمائر الحيّة، بهذه الطريقة لا غيرها يمكننا بناء مجتمع نظيف ودولة نظيفة.