عن المحتوى المسيء

آراء 2023/07/09
...






 حسب الله يحيى


في (الصباح) الغراء، وعلى صفحتها الاولى ليوم 21-6-2023، نشر تقرير يشير إلى أن وزارة الداخلية تسلمت (150) ألف بلاغ بخصوص (المحتوى المسيء)، بينما قانونيون يشيرون إلى أنه (من حق الأبرياء المطالبة بالتعويض).

وأمام هذا التقرير، يثار أكثر من سؤال:

هل هناك فعلاً مسيئون بهذا العدد، وهم يخاطبون سواهم بـ (محتوى مسيء)؟ هل كل هذه الأعداد سيئة، وتسيء إلى سواها، أم أنها فرصة للانتقام من الآخرين، والتنكيل بهم والعمل على محاسبتهم ومعاقبتهم؟.

كيف يفسر (المحتوى المسيء)؟

هل هو في توجيه النقد، هل هو كشف المستور عن صفقات مالية وأخلاقية، وممارسات سلبية من قبل مسؤولين أو مواطنين عاديين.

إن مهمة الاعلام والصحافة، هي الكشف عن كل ما هو سلبي، والعمل على نقده وإدانته، أما ما هو ايجابي في هذا الميدان أو ذاك.. فإن الأمر يعني أن العمل يجري بوتيرة سليمة ومقبولة، وليست مهمة الاعلام والصحافة أن تتحول إلى بوق للدعاية، وتقديم الثناء على أمور هي طبيعة وواجبات العمل..

هذا حسن، وسليم، ومطلوب، لكنه من الضرورات التقليدية في أي عمل يفترض أن تكون نتائجه عملية وايجابية.

مهمة الاعلام أن يرصد، ويضع الحكومة أمام مسؤولياتها في حل هذه المشكلة أو تلك، أو إيجاد السبل للإصلاح.. إصلاح واقع خدمي هو من صلب مهمام الحكومة.

كذلك لا توجد في الدستور حصانة على أحد من توجيه النقد إليه، فلا أحد معصوما من الخطأ، ومهمة الاعلام تكمن في تشخيص تلك الحالات السلبية، وارشاد المسؤولين إليها لغرض إيجاد حلول لها.

فهل هذا (محتوى مسيء)؟

الصحافة الاعلام، وحتى النقاد، لا يشغلهم شخصية بعينها، ولا الاساءة إلى سلوكها.. لكن المهمة تكمن في إدانة عملها، بوصفه عملاً يهم الآخرين.. والآخرون هم من حصة الاعلام، الذي يعد منبرهم وصوتهم العالي.

إذن لماذا يدان المرء في تشخيصه كل ماهو سلبي؟

أليست هذه الإدانة.. تدين أصحابها قبل أن تدين سواهم؟ إن أولئك الذين يشكون من رصد أخطائهم، والعمل على لصق تهم شتى بحياتهم، نوع من التجني، الذي ينبغي المحاسبة عليه، حتى لا يتحول المجتمع، إلى مجتمع منقسم بين: مخبر سري، ومدان/ بريء.

واذا كان الحوار ساخناً بين بعض الحزبيين والمسؤولين عن الفضائيات، والعمل على اصطياد مفردات من الكلام، وتقديم شكوى بشأنها؛ فإن هذا الاسلوب يشير إلى أن هؤلاء، يبتعدون عن لغة الحوار أصلاً، ولا يستقبلون الرأي الآخر، إلا بوصفه ضداً.. وكل ضد في الرأي.. خصم لدود، ينبغي إقصاؤه بشتى السبل. نحن لسنا في غابة، يأكل فيها من كان في مركز القيادة، مواطناً عبر عن استيائه – وما اكثر الاستياء المحيط بنا من كل جانب- القوي في موقعه.. لا يسلم من الخطأ، بل هو المسؤول الاول عن الاخطاء المتلاحقة التي تمتد منه إلى ابسط حلقات العمل وإلى أبسط العاملين المرافقين له.

فعلام الشكوى من إدانة السلوك المشين والفساد، الذي نخر الوطن وحوله إلى خراب..؟

هل نختار الصمت ونكون شهود زور على واقع مرير بآثامه وسلوك العاملين على وفقه، على وفق أساليب شتى، لا نحصد منها سوى الكثير.. الكثير من العقبات والمنغصات والآلام.. ومع ذلك يريدون من الناس أن يسكتوا عن البوح بممارساتهم المشينة وسلوكياتهم السلبية في كل مرافق 

الحياة.

نعم.. يوجد ( محتوى مسيء)، ولكن لا ينبغي إعمامه على الجميع.. ذلك أنه لا يمارس هذا المحتوى المسيء، إلا جمع من الجهلة في الخطاب الإعلامي وفي اللقاءات ومواقع التواصل الاجتماعي.. هؤلاء لا بد من محاسبتهم ومعاقبتهم.

نعم هذه حلقة محدودة، لا يصح إعمامها على كل رأي حر، وعلى كل فكر نير، ولا كل من يرفع صوته عالياً مندداً بالظلم والظالمين.. فهذه مهمة كل الخيرين الذين يفترض أن يكون رأيهم الجريء وموقفهم المشرف.. فالحياة لا يمكن اصلاح سلبياتها إن نحن سكتنا عن سوء السيئين.

مهمتنا أن نرفع أصواتنا إزاء كل ماهو سلبي.