سرور العلي
عام 2018 عانت زهراء محمد (19 عاماً)، من التشرد والضياع في شوارع بغداد، بعد وفاة والدها، وزواج والدتها، حيث مرت بأوقات قاسية، لحين تمَّ إيداعها في دار المشردات، بعد سلسلة من الإجراءات التي يخضع لها الذين هم بالحالة نفسها.
وتتذكر محمد تلك الأيام بنبرة مؤلمة "كنت أتعرض للاستغلال، والتحرش من سائقي السيارات والمارة، وأحياناً للعنف وللكلمات النابية".
ولا تختلف زهراء عن الكثير من الحالات، لفتيات اجبرتهن الظروف على اتخاذ الشارع مأوى لهن.
مدير الدراسات في إصلاح الأحداث والمشردات التابع لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية الباحث الاجتماعي ولي جليل الخفاجي أوضح:
"اهتم القانون العراقي بقضية التشرد، وعدّه انحرافا سلوكيا، لأن الفرد الذي تحت 18 عاماً، حين يصبح الشارع مأوى له سيختلط مع منحرفين، ومن خلال قانون رعاية الأحداث رقم 76 سنة 1983 ، وفي مواده 24، و25، و26، حددت له صور مختلفة، فاذا وجد متسول في الأماكن العامة، أو تصنع الإصابة بجروح أو عاهات، واستخدم الغش كوسيلة لكسب عطف الآخرين، ومنهم من ينظف زجاج السيارات، ومن يبيعون العلكة، فهي اذن صور من التشرد، لا سيما الإناث، فالقانون شدد على ذلك، كون البنت في المجتمع العراقي تختلف عن الولد، تتعرض إلى الاغتصاب والاستغلال وغيرها".
مضيفاً "ظاهرة التشرد لها أسباب عديدة، والسبب الرئيس لذلك هو التفكك الأسري، كانفصال الوالدين، أو انحرافهم أو أحدهما لا يهتم بمسؤولية أسرته، وعند ذلك سوف يصبح الطفل مشردا وغير مهتم، وأسباب أخرى، كالتسرب الدراسي، وبطالة الوالدين، والفقر، وتدني المستوى الاقتصادي في المناطق المكتظة بالسكان، وكل هذه الأسباب تجعل الطفل يتشرد خارج البيت، والقانون العراقي في مواده اعطى صلاحية لقاضي الأحداث، أن يودع المتشرد أو المشردة في دار تسمى دار المشردين، وتوجد داران وهما للذكور في الكرادة، وللإناث في الاعظمية، وفي هذه الدور يتعلم المشردون عدة مهن وحرف، مثل النجارة والحدادة، ولهم حق إكمال دراستهم، والإناث أيضاً يتعلمن التربية المنزلية والحلاقة، الهدف من تلك الدور هو اكسابهم مهنة ينتفعون منها بعد إخلاء سبيلهم".
وتسعى دائرة العمل والشؤون الاجتماعية بكل جهودها، لأجل توفير الغذاء والثياب، والتعليم والمهن، والسفرات السياحية للمشردين، لكن المشكلة بحسب الخفاجي تكمن في أنه حين يبلغ الذكر (18 عاماً)، والأنثى (22 عاماً)، فيتم أخلاء سبيلهم، بشرطين أما زواج أو عمل، وفي الحقيقة هذان العاملان لم يتحققا، كون العمل صعبا في هذه المرحلة، والزواج ليس إجباريا، لذلك يخرج المشرد الذكر من دون عمل وزواج، ما يؤدي إلى ضياعه مرة أخرى، كذلك بالنسبة للإناث، فمن المفترض وبحسب ما نص القانون، حين بلوغهن
(22 عاماً).
أن يخرجن، ولكن مدير الدار لا يسمح بذلك، بسبب استغلالهن في الشارع بأمور غير صحيحة، وبذلك فالسنوات تمضي بهن من دون عمل وزواج، لذلك اقترح أن تتدخل الدولة بإعطائهن درجاتٍ وظيفيَّةً في الدوائر، وتكون اجبارية، وليست مجرد وصايا، لضمان حقوقهن، وليحصلن على تفاعل إيجابي من المجتمع.
د.عبد الكريم خليفة (أخصائي إرشاد نفسي وتربوي)، لفت إلى أن تجربة المشردات أو دور المشردات الموجودة في بعض محافظات العراق، هي تجربة فاشلة، إذ إن ما تحتاجه المشردة ليس الدار، بل يفترض أن تكون هناك مؤسسة، تديرها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وهذه المؤسسة ليس للإيواء فقط، بل ينبغي أن يوجد داخلها باحث اجتماعي، وطبيب نفسي وعام، وتحتوي على بعض المهارات، كتأهيل السجون لتأهيلهن، كما أن كل حالة تحتاج إلى دراسة اجتماعية، لمعرفة الأسباب وتشخيص بعض الحالات، كالإدمان، والتسول، والسرقة، والتعاطي، وموضوع المشردات مهم جدا، لأن طبيعة المجتمع العراقي بدت تدخلها القيم الغريبة، وبعد العلاقات الاجتماعية، وعقوق الوالدين، وضعف في صلة الرحم، لذلك فمجتمعنا مقبل على انتكاسة اجتماعية، من خلال وجود هؤلاء المشردات الموجودات في التقاطعات، والأسواق، أو في بعض أماكن عمل الرجال كالحي الصناعي وغيرها، وبالتالي سيشكلن بؤرة لعمليات الفساد والاستغلال والبغاء، وبعض المشكلات الاجتماعية، كما لاحظنا قيام بعض الجهات الخبيثة باستخدام المشردات، لتحقيق بعض المآرب الخاصة والسلبية، ويفترض على الدولة أن تضع ميزانية متكاملة أو برنامجا، لتستقطبهن في مراكز تأهيل كاملة من جميع الجوانب، واعتقد أن تجربة وضع دار لهن في كل محافظة غير صحيحة، لأن بعض المحافظات لا تتقبل مثل هكذا دور، بسبب الأعراف والقيم السائدة، لذلك فالأفضل أن تكون هناك مؤسسة كبيرة في بغداد، لتسيطر عليها الدولة والأجهزة الأمنية.
وأضاف خليفة "تقع على عاتق الدولة الكثير من الأمور، ومنها البطالة فهي متفشية في القطاع النسائي أكثر من الرجالي.
ودائما ما نجد أن المشردات هن من بيئات اجتماعية متدنية المستوى المعاشي، وانتشار حالات العنف الأسري، ووجودهن أحياناً نتيجة لذلك، وبسبب الأخطاء العاطفية، كالانفصال والطلاق، والتعرض للابتزاز الإلكتروني، لهذا من المفترض أن تتم توعيتهن، عن طريق وسائل الإعلام من صحافة وتلفاز، وحتى في المساجد، لذا يجب أن تضع الدولة خطة متكاملة عن طريق وزارة الداخلية، للقضاء على هذه المشكلات، كالإدمان والابتزاز، كما نلاحظ قيام بعض المشردات بأعمال رديئة، كالعمل في المقاهي ومراكز المساج، ما يعرضهن للتحرش والاستغلال.
د. رائد رمثان حسين التميمي، مدير شعبة الإرشاد النفسي والتوجيه التربوي في جامعة سومر، بيَّن أن بعض المشردات يتخذن من التسول ذريعة لمصدر للعيش، والبحث عن اللقمة لسد رمق الجوع، وفي الواقع هو للمتاجرة واكتناز الأموال، وشرعنة سرقة أموال المستضعفين من الناس البسطاء، فنجد أن التسول اليوم يُدار من قبل عصابات ومافيات، وشبكات متخصصة، لتوزيع العمل بين الشوارع المهمة، وتجهيزهم بالأطفال والنساء، وكبار السن المقطعين الأطراف، لذلك ينبغي أن تقوم الدولة بحملة كبيرة من قبل الأمن القومي، لأن بعض العصابات تجلب عمالة الخارج، وتعمل على تشغيلهم لامتهان التسول، لأنهم أرخص ويمكن التحكم بهم والسيطرة عليهم، وسهولة عمل البنات في البغاء لجلب نفع مادي
أكثر.