رزاق عداي
أيام عصيبة تمر بها فرنسا هذه الايام، والمشكلة أو الأزمة تنطوي على مركبات ثقافية - سياسية متعددة، والحال هذا ينطبق على الكثير من دول أوروبا، متمثلا في صعود نشاط اقصى اليمين، فقد مكنت الازمة الاقتصادية لأحزاب هذا التيار في بلدان كثيرة (خاصة سويسرا وايطاليا وهولندا واليونان)، في ان تتبنى الشعبوية الاقتصادية والقومية، وسُمح لها أن تتسلل إلى مفاصل المؤسسات الأمنية والقضائية، وتعزى هذه الانعطافات إلى انزياحات جوهرية في القواعد الايديولوجية لنظريات تقليدية، أو ما يطلق عليها السرديات الكبرى، القومية، والماركسية، وتيارات اشتراكية قومية أخرى، وهذه الارتدادات تؤيد ما ادعى به المفكر الامريكي ( صموئيل هتنغتون، في العودة إلى العصبيات التقليدية العرقية والجماعاتية والمذهبية، فقتل الشاب الجزائري (نائل) من قبل احد افراد الشرطة الفرنسية بطريقة وحشية وغير مبررة كانت مناسبة لاندلاع حالة من العنف لم تشهدها فرنسا منذ سنوات طويلة، كادت تزعزع حكم ماكرون الذي ما برح يستقبل الصفعات من كل الجهات، لقد كانت فرصة مؤاتية لليمين الفرنسي كي تستثمر مشاهد العنف الشديدة ويجيرها لصالحه، اذ انقسم الشعب الفرني إلى متعاطف مع الضحية من جانب وهناك من ادان مظاهر العنف واستنكرها بشدة، وكانت غبطة (مارين لوبان) زعيمة الجبهة الشعبية الوطنية لا توصف لمشاهد الحرائق والنهب والتدمير التي وعدت بان هذه السيناريوهات، ستكون مادة انتخابية خصبة ونافعة جداً
حسب الفيلسوف الفرنسي (ميشيل فوكو)، الذي يعتقد أن التاريخ يمر بمسارات غبر محتملة واللاحتمية تشبه الانقطاعات، يسميها حقبا معرفية وإن تكن متمفصلة، لكنها تكاد تكون شبه منقطعة عن المسار التركمي العام لها، فاليسار الفرنسي الصاخب في ستينيات القرن الماضي تحول إلى كينونة سياسية منكمشة وفي آّخر قاطرات الرحلة، لم تعد برامجه تناسب معطى المرحلة للحاجات الملحة، ففرنسا التي يمكننا أن نعتبرها عينة نموذجية للغرب المتقدم في ازدحام الافكار والايديولجيات، يمكن استنتاج الموضوعات الملحة في ساحتها السياسية من خلال الحوار الانتخابي، الذي دار بين الفائزين الاول والثاني قبل سنة تقريبا، ماكرون من جهة ولوبان من جهة ثانية، التي انضغطت الموضوعات على مواضيع الاسلام فوبيا، والحجاب في الاماكن العامة، والعولمة التي تكرهها لوبان ويعشقها ماكرون، ومستوى معيشة الفرنسيين، وموضوعة اللاجئين من الدول الاسلامية، والحرب في أوكرانيا وموقف فرنسا منها، اليسار في كل تنوعاته لم يكن مرنا في ادراك معطيات العصر أو نام في بطن التاريخ فاختار ان يكون متخلفا، فالمرحلة يبدو انها تشهد زحزحة في حضور اليسار على الاقل الغربي منه وحصرا الفرنسي.