الديمقراطيَّة التوافقيَّة غياب الوطنيَّة والمواطنة

آراء 2023/07/11
...

 غازي فيصل 


إن تجربة الديمقراطية التوافقية، التي أنشئت عملياً في بدايات الخمسينات القرن الماضي اعترافاً بقصور نظام الديمقراطية الأكثرية، بذلك أصبحت الديمقراطية التوافقية أحد النماذج المقترحة، لمعالجة مسألة المشاركة في المجتمعات التعددية، لتوفير الضمانات الكافية لتبديد مخاوف الاقليات من توجهات الأكثرية بمعنى أن تكون التوافقية على طريق تحقيق الأهداف المشتركة وتعزيز الانسجام الوطني، وهذا خلاف الديمقراطية التمثيلية، إذ إنها لا تستند إلى عناصر التنافس في البرامج والاحتكام إلى منطق الأغلبية الحاكمة والاقلية المعارضة، بل تعتمد أساسا على مواصفات بناء التحالفات الكبيرة، التي تضمن للمكونات الأساسية فرص التمثيل في المشاركة وصنع الأغلبية القرار السياسي من أعلى الهرم إلى أسفله دون الخضوع لسلطةالأغلبية.

منذ شروع تطبيق التجربة الديمقراطية التوافقية في العراق عام 2003، بدأت تظهر العديد من الاشكاليات بشكل ملموس وحقيقي في المجتمع العراقي، منها إشكالية الهوية الوطنية والمواطنة، وتحديداً بعد تطبيق التوافقية التي أخذت فيها الهوية الوطنية والمواطنة تضعف لدى أفراد المجتمع العراقي، وذلك لأن الديمقراطية التوافقية هي بحد ذاتها بناء استقطاب عمودي، أي تعمل على احياء الروابط الأولية(العرقية، والمذهبية) وتعظمها على حساب الرابط الجمعي للوطن، فتضعف بذلك الهوية الوطنية والمواطنة.

إن الديمقراطية التوافقية في العراق كرست ثقافة الانتماءات الفرعية أوالأولية للأفراد (الدينية أو المذهبية أو القومية أو العرقية)، فهي تنمي الانتماءات الفرعية على حساب الهوية الوطنية والمواطنة للفرد العراقي، وأن تطبيق الديمقراطية التوافقية أدى إلى أضعاف الهوية الوطنية وتغيب المواطنة بوصفها إحدى أسس بناء الدولة الحديثة المعتمدة على المساواة بين المواطنين، ويعتبر هذا النموذج من الديمقراطية وسيلة من وسائل تقسيم المجتمع المتعدد إلى عناصر أكثر تجانسا واستقلالية، وهذا يعني زيادة الهوة بين المكونات وزيادة التماسك داخل كل المكون على حدة، مما يضر بالوحدة الوطنية، ويصعد من ظاهرة التمايز بين المكونات، فالمساواة في ظل التوافق ليست مساواة حقيقة، ولا تأخذ حق الفرد بنظر الاعتبار، إذ ينظر إلى المساواة على أساس الجماعات ليس على أساس الأفراد، فالثقل الكبير في الديمقراطية التوافقية أصبح لرؤساء الكتل والطوائف، الذين أصبحوا في مجلس النواب العراقي بديلا عن السلطة التشريعية.