قراءاتٌ متعددةٌ للسياسة الخارجيَّة الايرانيَّة

آراء 2023/07/11
...

 محمد صالح صدقيان 

مرة أخری ترتفع مناسيب التصعيد في الملف الإيراني بعد تعثر المباحثات التي جرت في العاصمة العمانيّة بين مسؤولين امريكيين وآخرين إيرانيين لتنفيذ صفقة تبادل المعتقلين والإفراج عن الودائع الإيرانية المجمدة في الوقت الذي فرضت الحكومة البريطانية عقوبات علی المجلس الأعلی للثقافة الإيراني علی خلفيّة قانون الحجاب وسعي الدول الاوروبية ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تمديد الحظر علی الأسلحة المصدرة لإيران الذي ينتهي في اكتوبر المقبل كما جاء في الاتفاق النووي الموقع في يوليو تموز 2015

والذي صدر بحقه قرار مجلس الأمن الدولي المرقم 2231؛ من دون أن ننسی استبعاد روبرت مالي من منصبه كمسؤول عن الملف الايراني في الادارة الامريكية.

وعلی الرغم من إعلان طهران عزمها علی مواصلة المباحثات مع الجانب الاوروبي لإزالة المشكلات العالقة وايضا ترحيبها بعودة العلاقات مع السعودية وفتح المقار الدبلوماسية في كلا البلدين إلا أن الوسط الايراني الحكومي وغير الحكومي تتجاذبه وجهات نظر مختلفة بشأن جدوی العلاقة مع المجتمع الاقليمي والدولي في ظل استمرار التوتر مع الدول الغربية التي لا تزال تفرض العقوبات الاقتصادية مرة علی خلفية البرنامج النووي واخری علی خلفية حقوق الانسان وثالثة علی خلفية دعم الإرهاب وهكذا؛ وترابط هذه الملفات والعلاقات وتأثيرها علی الوضع الايراني.

ومن خلال دراسة أجراها المركز العربي للدراسات الايرانية بطهران لاتجاهات الحوار في علاقات إيران الدولية أوضحت وجود قراءتين بشأن جدوی الحوار واقامة العلاقات مع الدول الاقليمية في ظل التشدد الغربي والامريكي علی وجه 

التحديد.

القراءة الاولی تقول إن اقامة العلاقات مع الدول الاقليمية يجب ان يتزامن باصلاح العلاقة مع الدول الغربية لان العلاقات الاقليمية ستكون تحت طائلة العلاقات مع الدول الغربية التي تمسك بمفاصل هذه العلاقات؛ وما لم يتم تحسين العلاقات مع الدول الغربية لا يمكن التوقع بعلاقات متقدمة وبارزة ومؤثرة تسهم بتعزيز الامن والاستقرار في المنطقة؛ وان اية جهود او آمال تصرف بهذا الاتجاه لا يمكن لها ان تحقق الاهداف 

المتوخاة. 

القراءة الثانية تعتقد ان ايران تستطيع من خلال سياستها الاقليمية تعزيز العلاقات الثنائية مع دول المنطقة من أجل زيادة نسبة الثقة المتبادلة مع دول الجوار للوقوف امام نفوذ الدول الغربية التي تحاول زعزعة الأمن والتأثير علی السياسة الايرانية والعلاقات البينيَّة في المنطقة. 

وهذه القراءة تسير عليها الحكومة الايرانية الحالية الی حد بعيد. 

المؤيدون للقراءة الاولی يعتقدون أن هذه السياسة تعتمد علی نظرية العمودين الاستراتيجيين التي استخدمها الرئيس الامريكي نيكسون في علاقته مع الاتحاد السوفيتي مستندين في ذلك علی السياسة التي اتبعها الرئيس الايراني السابق محمود احمدي نجاد في علاقته مع المحيط الاقليمي التي لم تنتج عن علاقات طموحة بالرغم من سعيه لتعزيز العلاقات مع دول الجوار بسبب وضعها تحت «محور الشر» المصنف 

امريكيا. 

وبطبيعة الحال؛ فإن أنصار هذه القراءة لا يمكن لهم الدفاع عن طبيعة السلوك الخارجي الدولي بعد التوقيع علی الاتفاق النووي عام 2015 الذي لم يستطع من تحسين علاقة إيران مع الدول الاقليمية كما تريدها المصالح المشتركة. 

في القراءة الثانية فإن إيران لم تستطع حتى الان من ترطيب أبواب العلاقات مع دول الجوار بسبب استمرار التوتر مع الدول الغربية علی خلفية البرنامج النووي.

 لأن محيط الشرق الاوسط ما زال متأثراً بالعوامل الأمنية والتطورات الخارجية من دون استبعاد الدور الامريكي في التأثير علی النفوذ الايراني في 

المنطقة. 

ويعتقد الاكاديمي الايراني الدكتور امير صمدي أن القراءتين لا يمكن لهما تحقيق الاهداف التي تتطلع لها ايران ما لم تستندا الی قراءة واقعية للتطورات الاقليمية والدولية لأن تلكما القراءتين لا تنسجمان مع الواقع الاقليمي والدولي والتطورات التي تشهدها منطقة الشرق الاوسط ذات الرمال 

المتحركة. 

ويری صمدي أن قراءة ثالثة يمكن لها ان تحقق الاهداف من خلال اصلاح العلاقة مع الدول الغربية بالتزامن مع الدول الاقليمية حتی وان كان الاعتقاد السائد عدم ربط المحيط الامني الاقليمي عن المحيط الدولي لأسباب تتعلق بظروف كلا المحيطين المنفصلين بعضهما عن البعض الآخر، لكنهما مرتبطان بشكل او بآخر ولهما تأثيرات مشتركة لا يمكن 

تجاهلهما. 

لقد اخطأت السياسة الخارجية الايرانية في عهد الرئيس الايراني السابق حسن روحاني عندما تجاهلت المحيط الاقليمي في مباحثاتها مع الدول الغربية والتي ادت الی الاتفاق النووي عام

2015. 

هذا المحيط كان متأثراً بعدة عوامل أهمها ظروف ما بعد سقوط نظام صدام في العراق واحداث الربيع العربي، ولذلك عندما طرحت الحكومة الايرانية مشروع هرمز للسلام لم يلقَ الاذان الصاغية من المحيط العربي كما ان فكرة منتدی الامن والسلام التي طرحها وزير الخارجية الايراني جواد ظريف لم تَرَ النور.

لقد خلقت التطورات الدولية ظروفا جديدة في المنطقة خصوصا بعد الحرب الاوكرانية واحساس دول المنطقة ان الولايات المتحدة لم تعد الجهة التي يمكن الاعتماد عليها بعد اخفاقاتها في دعم الامن في الشرق الاوسط؛ ولذلك كما يعتقد الدكتور امير صمدي اللجوء الی سلوك اكثر واقعية في السياسة الخارجية الايرانية تستند الی المتغيرات الجيوسياسية والجيوستراتيجية والتفكير بواقعية بشأن سياسة ايران 

الخارجية. 

إنّ وجود مثل هذا الحراك السياسي في الوسط الايراني يحسب له ولا يحسب عليه، بعيدا عن النتائج التي تتحقق؛ لان اهتمام هذا الوسط بعوامل نجاح سياسة ايران الخارجية يمنحها اجواء ايجابية لتحقيق المصالح ليس لايران فحسب وانما لدول  وشعوب المنطقة علی حد

سواء.