التوظيف السياسي للإسلام يتوهَّج في الغرب

آراء 2023/07/11
...

 سناء الوادي


إنَّ المتابع للإعلام الغربي في الفترة القريبة الماضية يلاحظ ترديد اسم المسلمين في خطاب القادة بكثرة، سواء ذلك الموجه لشعوبهم أو للخارج بطريقة لافتة تعيدنا خطفاً للوراء إلى لحظات الحرب العالمية الثانية حينما توجهت صحف وإذاعات ألمانيا النازيَّة إلى العرب والمسلمين بخطاب ودود يؤجّج مشاعرهم الجهاديّة ويحقن النفوس ضد اليهود للوقوف جنباً إلى جنب مع الرايخ الثالث ضد الحلفاء، فما كان من المسلمين إلا أن استجابوا للنداء وهبّوا يشاركون في البلقان بمئات الآلاف والذين قضى الكثيرون منهم، تلك السرديّة المقتضبة إنما تمثّل أنموذجاً لبداية التوظيف السياسي بجهود ألمانية واسعة النطاق الموجه للمسلمين والعرب لتحقيق الغايات الغربية الحربية على أكتاف شعوبنا.

وأمّا اليوم وما تشهده الساحة العربية والإقليمية من جولات مكوكية لوزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن زار خلالها المملكة العربية السعودية واضعاً في أعلى أجندته رأب الشروخ التي أحدثها رئيس دولته العظمى «والتي كانت تصول وتجول في المنطقة على هواها» بتصريحاته غير المسؤولة حيث كان من أهم نتائجها امتداد أذرع الأخطبوط الصيني في دول الخليج وبلاد الشام بالمشاريع الاقتصادية والاستثمارات التكنولوجية المتقدمة وعروض التسليح الفاخرة وعودة 

طرق التجارة القديمة للحياة من جديد، ناهيك عن الصلح السعودي – الإيراني الذي كان صفعة مؤلمة على وجه العم سام وصفقاته للتسليح للعرب تحسباً لهذا العدو المتربص حسب تعبيرهم، فما كان 

منهم إلا أن تغير خطابهم واتجهوا للسعودية في محاولة للضغط عليها لتطبيع العلاقات مع إسرائيل طفلها الشقي المدلل وعينها التي لا تنام في الوطن العربي والشرق الأوسط، فانهمكت 

وسائل إعلامهم بتبرير ذاك السعي للتطبيع حفاظاً على مسلمي فلسطين ولإنهاء الصراع، وفي ذلك قد يخص هذا الخطاب إرضاء تلك الفئة التقدمية الليبيرالية من الديموقراطيين المطالبين بالحريات والحقوق للشعب الفلسطيني من جهة، ومن جهةٍ أخرى هي ورقة 

بايدن الانتخابية في العام المقبل والتي إذا ما حققها سيمتلك بها الإنجاز الأكبر بين الرؤساء الأمريكان بجذب قطب المسلمين وقبلتهم إلى بوصلة اللوبي الصهيوني وفي ذلك إعلان للموت السريري للقضية الفلسطينية وهذا ما لم يحدث من 

قبل. 

وعلى الشرق من هنا وتحديداً في آسيا وبعد أن أنهى بلينكن زيارته المرتبكة إلى الصين بوصفها العدو الأول لواشنطن والمنافس على انتزاع دفة القيادة منه بعد أن كان ربان العالم لثلاثين عاماً عقب انهيار الاتحاد السوفياتي بداية تسعينات القرن الفائت، وبعد تصريحه بالعمل على عودة قنوات التواصل بين الدولتين حيث شهدت انقطاعات متكررة في محاولة لإقناع الصين بإيقاف دعمها للدُّب الروسي في حربه على أوكرانيا، فضلاً عن وقف نشاطها المرعب في بحر الصين الجنوبي بالقرب من تايوان وما أن عاد إلى بلاده حتى خرج بايدن مجدداً ليصعد التوتر إلى الحدود القصوى بعدما وصف الرئيس الصيني بالديكتاتور، عندئذٍ تلقفت أبواقهم الإعلامية هذا التصريح وباتت تفسّره بأن شي جينبينغ قد مارس العدائية والقتل وخنق الحريات عند الأقلية المسلمة في الإيغور.

وفي هذا السياق تندرج كل تلك البروباغندا لاستغلال المسلمين وارتباطهم الإيديولوجي بديانتهم على اعتبارهم قوة بشرية بتعداد لا يستهان به حول العالم وتمركز الأكثر منهم في بلاد الثروات والخيرات، وإذا تعمقنا قليلاً في الجوهر الذي انبثقت منه جماعات الإسلام السياسي لوجدنا أنها المستغل الداخلي للدين فهي وعلى اختلافاتها الفكرية بنيت على الفهم الخاطئ لرسالة الدين الإسلامي بل وتفعيل العنف والقتل لتحقيق مآرب سياسية قذرة شوهت الدين ككل وخلقت في العالم الغربي ظاهرة سميت بالإسلاموفوبيا حيث منع الحجاب في فرنسا وانطلقت في سويسرا حملة حظر المآذن، حتّى بات الغرب ينظر للإسلام بكونه معادياً للقيم الديمقراطية، وفي حين أنهم يوجهون للإسلاميين تهم التوظيف السياسي للدين وقعوا هم في نفس الفخ وأصبحوا ينتهجون ذلك لتصفية الحسابات ما أدى لتوسيع دائرة تسييس الإسلام بين الدول، وإن تعيين يوم 15 آذار من كل عام للاحتفال بمكافحة الرهاب من الإسلام «الإسلاموفوبيا» وهو ما يصادف يوم حادثة الاعتداء على المسجدين في نيوزيلندا، هذه المرة جاء لإرضاء المسلمين وكسب تعاطفهم لأننا نشهد هذه الأعوام تجدد اللجوء لهذه الورقة الرابحة لدى الغرب لمزيد من التأثير المجتمعي في الحياة العامة والسياسية.

وفي ختام هذا المقال لا نعوّل إلا على الجهاز الإيديولوجي والبيروقراطي في الدول العربية، وتلك المُسَلَّمَة التي لا بدَّ من تغييرها حتى لا نقع فريسة لهذا التوظيف السياسي المؤدلج للمسلمين خدمة لمصالح الغرب.