الغستوس في رواية {العاشرة بتوقيت واشنطن}

ثقافة 2023/07/11
...

  أحمد طه حاجو 

تعد رواية (العاشرة بتوقيت واشنطن) للروائي (باسم القطراني) من روايات الخيال و(اللامعقول)، فقد أجاد الروائي من خلال تقنيته الكتابية تجسيد الهم الجمعي العراقي وتطلعات الفئة الاكثر والاكبر من الشعب العراقي، من خلال (شخوصه الروائية) و(التقنية الكتابية)، التي اعتمدها باسلوب (التغريب) اي كسر الايهام عبر صوت الراوي والذي كان يتحكم بشخوص روايته ومسير احداثها بين الحين والآخر، وهنا كانت الدعوة واضحة من اجل الاستمرار بالتنبيه والايقاظ.

 فما استخدمه الروائي كان قصدياً من اجل التعبير عن رسالة مضمرة مشفرة وخطيرة، فلم يشعر القارئ بأن هناك حاجزا أو خطوط حمر، مما فتح ابوابا متعددة للتأويل، فالقارئ شعر بفضاء واسع وحرية صنعها (القطراني) في روايته. 

الفكرة العامة للرواية هي أن (كامل ضاحي) وهو مدرس فيزياء يكتشف نظرية تكمل ما توصل اليه العالم (اينشتاين) وتستمر الأحداث حتى أنه يخرج من الرواية، نظراً لمحاربته من قبل المجتمع والمؤلف، وهنا الاشارة إلى القدرة العراقية أولاً وثانياً إلى الواقع العراقي الطارد للكفاءات، ثانياً عبر استشهاده بمثال من في فترة النظام السابق وكيفية استجواب (كامل ضاحي) وتهديده بأن يصمت عما يتفوه به من اكتشاف والا فمصيره الموت. 

كما احتوت الرواية جانباً تحريضياً عبر الاستشهادات الواقعية التي مررها (القطراني) في المتن الروائي والتي لها ارتباط وتأثير مباشر في مجرى أحداث الواقع الحالي مثل (نظرية المؤامرة، الطرف الثالث، الخيانة) وكان لوجودها مبرر، إلا أن الرمز كان واضحاً، فالمفردة التي ترد في زمن ما  تعبر عن معانٍ يكون عليها شبه اجماع على معناها الآني، وهذا ما يطلق عليه (الغستوس) وقد استخدمه المنظّر المسرحي (برتولد بريخت) في عروضه المسرحية، وهو يعني حركة معروفة للمجتمع الآني في مرحلة زمنية ما وغالباً تكون ذات وضوح اكبر في العرض المسرحي، لكن في الرواية تكون عبر وصف وذكر أفعال معينة تدلل على المعاني والرسائل التي يقصدها الروائي، وهنا كان وجود تلك المفردات بمثابة دعوة للتأمل وقراءة الواقع بوعي اكبر وعمق، وضرورة ان يتم اتخاذ قرار لتغيير الواقع الحالي.  

كان للشخصيات المختارة في الرواية أثر مباشر في اضافة الحيوية للنص السردي، أي أن (القطراني) قد اشتغل على بنائها، وفق معايير متعددة ومغايرة للمألوف، كما انه عمل على تحقيق نوع من التوازن في الشخصيات وجعلها متنوعة بين الشخصيات النسائية والرجالية، وأنه جعلها ذات نفوذ، اي انه وبرغم تعددها الا انها جعل من وجودها ضرورة ملحة لتبيان ملامح سير الاحداث.

(برناو) القط الذي نكتشف بان له قدرة على التحوّل والامكانيات الخارقة الاخرى، فكان عنصراً فعالاً في الرواية نظراً لإمكانياته، فالكثير من تلك الشخصيات والتي لها القدرة على التحول تقوم حالياً بالتحكم بزمام الوضع السياسي في البلد، فالمتحولون دوماً يسعون لمصالحهم الشخصية.

كما أن الثنائيات التي لازمت الرواية مثل (برشاو) ملك الجن وتفاعله مع الواقع من خلال سيطرته على القطط ذات العيون الزرق، فان التطرق إلى الجن يحيل الرواية إلى العجائبية ويزج القارئ إلى استقبال رسائل متعددة عبر الرمز المستخدم، وبرغم تمرده على الكاتب الاول، إلا أنه قد تروض وأصبح مطيعاً مع الكاتب الثاني، وهذا يدل أن لا يوجد مستحيل على أرض الواقع إن وجدت الارادة لفعل شيء ما.  

الغموض  الذي ظل ملازماً للرواية حقق نوعاً من التشويق لمعرفة الحلول، لا سيما ان الكاتب كان  يمرر لنا رسائله عبر استشهادات زمكانية من ارض الواقع، الا ان الغموض جعل من الشخصيات تتخذ من افعالها اهدافاً تمثل رسالة الرواية، والتي هي رسالة مجتمع بأكمله. 

    تمرد الشخصيات  على الكاتب الأول هو بمثابة تحريض من نوع (المقارنة)، أي أن (القطراني) اراد دفع القارئ إلى أن يتخلى عن الخمول والاستسهال في التعاطي مع الواقع. 

    كما أن تمرد الشخصيات الورقية برغم أن شخصية (كامل ضاحي) قد وصفت بانها حقيقية، الا انها داخل الرواية هي ورقية ليس الا. 

كانت الخاتمة مفتوحة وهي غير متوقعة، اختفاء اليد ثم اختفاء الشخصيات فرداً فرداً، ثم تختفي الرواية بأجمعها وتبقى أوراقاً بيضا، ان هذه النهاية تفتح ابواباً من التأويلات والمسارات، فهي اداة تحفيز وتحريض على اعادة قراءة الرواية أولاً، والواقع ثانياً من منظار آخر، فالرمزية القصدية بكل اشتغال وكل متغير في مسار الرواية له ابعاده السوسيولوجية، والداعية إلى ضرورة تغير نمط القراءة لكل شيء..