أ.د عامر حسن فياض
لا نعرف عن سقراط أكثر من كونه مواطناً أثينياً من أبناء إحدى الجزر اليونانية في رواية، ومن أبناء أثينا في رواية أخرى، وأنه كان يعمل فخارا، فضلاً عن تعليمه الفلسفة للناس في الاسواق والشوارع دون أجر، وحكم عليه بالموت بتهمة الاساءة لآلهة المدينة، وإفساد عقول الشباب، وتتلخص أبرز أفكاره السياسية في:
- الاعتقاد بفساد نظام الديمقراطية الإغريقية، وبخاصة في أنموذجها الأثيني وخطأ نظريتها القائمة على مبدأ المساواة بين المواطنين، وأسلوبها القائم على اختيار الموظفين العامين بالقرعة بذريعة المساواة، لأن المساواة لا تعني العدالة ولا تحققها بالضرورة، لعدم امكانية المساواة بين من يعملون ومن لا يعلمون، ومن يعملون ومن لا يعملون، ولأن القرعة يمكن أن تتسبب في حرمان المجتمع من خدمات أهل الخبرة وأصحاب المؤهلات، عندما توفر للعاجز والكفوء، فرصاً متساوية من دون أي تمييز بينهما.
- الاعتقاد بفساد نظام الحكم الذي تمارسه جمعية وطنية (مؤتمر عام) ذات سيادة، لأنه نظام يساوي من دون اي تمييز بين أدوار وأصوات الجاهلين بفن السياسة، وأدوار وأصوات العارفين بهذا الفن.
- الاعتقاد بأن الفضيلة مصدرها المعرفة التي تقود إلى الفضيلة (الفضيلة هي المعرفة والمعرفة هي الفضيلة).
وأن طبيعة الإنسان خيرة بالفطرة، ولا تأتي بظلم أو شر إلا عن جهل وقصور في معرفة الحق والفضيلة، لذلك فإن التعليم والمعرفة شرط أساس للوصول إلى الفضيلة، التي هي بدورها شرط صلاح المجتمع ونظام الحكم فيه.
- الاعتقاد بأن الحكماء وأصحاب المعرفة، يجب ان يتولوا شؤون الحكم ومسؤوليات السلطة، لأن فضيلة الحُكم مصدرها فضيلة الحكام، التي مصدرها علة معارفهم وعلومهم وليس فوزهم لا بالقرعة ولاحتى بالانتخاب.
- الاعتقاد بأن احترام المجتمع لقوانينه مشروط بتطبيق مبدأ سيادة القانون وخضوع جميع أفراد المجتمع (حكاماً ومحكومين) لأحكامه، أي خضوع المجتمع لدستوره، الذي شرعه وقوانينه التي وضعها وليس لأهواء الحكام وآرائهم المتغيرة.
ودفع سقراط حياته ثمناً لاعتقاده بفكرته الاخيرة عن سيادة القانون، عندما رفض الفرصة التي وفرها له تلاميذه ومريدوه للهرب من السجن والنجاة من حكم الاعدام الصادر بحقه، لأنه رأى في هروبه خرقاً للقوانين، حتى لو أنها حكمت عليه ظلماً، وعدّ هروبه من الحكم الصادر عليه انتهاكاً متعمداً لحرمة القوانين وسيادتها سيؤدي بالنتيجة إلى إفساد المجتمع وتخريب أخلاق شبابه وفضائلهم، وهذه هي التهمة التي حوكم سقراط بسببها ونفاها تماماً، فكيف يفعلها الآن؟ ولكن محاكمة سقراط والتهم الموجهة إليه، كانت ذات مضمون سياسي، فأساسها نقده للديمقراطية الاثنية وتفنيده لمبادئها ومرتكزاتها، واتهامه لجمعيتها العامة وساستها بفقدان الفضيلة وانعدامها فيهم، بحكم جهلهم وافتقارهم للمعرفة مما يفسر دعوته إلى معالجة الشأن السياسي استناداً إلى معرفة فلسفية وأفق معرفي عقلاني، وهذا كما رأى فيه الديمقراطيون الأثينيون عدم ولاء للدولة وخيانه عظمى لها، فأتهموه وحاكموه وأعدموه، فكان بذلك من أبرز وأول شهداء الصراع بين الفكر والسلطة وبين الحرية والفوضى.