14 تموز 1958 والعهد الملكي

آراء 2023/07/12
...

عبد الحليم الرهيمي
ستمر، يوم الجمعة المقبل، الذكرى الخامسة والستون للاطاحة بالدولة العراقية الحديثة (1921 - 1958) والقضاء على الحكم الملكي والعائلة الملكية الهاشمية بمجزرة رهيبة ومروعة على يد قادة انقلاب 14 تموز، ممثلة بـ (حركة الضباط الاحرار).. وعندها بدأت سلسلة الانقلابات العسكرية حتى نيسان عام 2003. وحول هذا الحدث التاريخي والمفصلي المهم، انقسمت وتباينت آراء المؤرخين والسياسيين والاعلاميين، فضلاً عن الرأي العام الشعبي العراقي بوجه خاص بين مؤيد لهذا الانقلاب واطلاقه عليه صفة (ثورة)، وتمثله الاحزاب والقوى السياسية المنضويه بـ (جبهة الاتحاد الوطني) التي تأسست عام 1957
اي قبل عام من الانقلاب غير أن جهات سياسية واجتماعية محددة اعتبرت هذا الحدث – التغيير خاطئا وليس من مصلحة العراق وشعبه، ويعتبر أنصار تيار الملكية ضمن هذا الاتجاه ممثلا بأغلب رجالات ونساء العهد الملكي، ومن عملوا في اداراته ومن ضمنهم من بقي من افراد العائلة الملكية على قيد الحياة.
وقد عبر هذا الاتجاه عن رفضه وادانته للانقلاب واطاحة العهد الملكي بفاعلية ضعيفة وإدانته للانقلاب واطاحة العهد الملكي بفاعلية ضعيفة، وغير مؤثرة حتى شكل الشريف علي ابن الحسين (الحركة الملكية الدستورية) في لندن عام 1992 ثم تلاشت ولم يبق منها سوى رئيسها ومؤسسها الشريف علي الذي توفي في بغداد العام 2021.
اما الاتجاه المؤيد والداعم بقوة للانقلاب – الثورة وخاصة احزاب (جبهة الاتحاد الوطني)، فقد بالغ في دعمه وتأييد للانقلاب ولأحد قادته وهو ( عبد الكريم قاسم)، واستخدم الاساليب العنفية ضد معارضي ومنتقدي الانقلاب من غير الجهات التي اشرنا اليها.
ومنذ ذلك التاريخ وخلال العقود المنصرمة لم يتوقف الجدل والحوار وحتى (المماحكات) حول رؤية الاتجاهين لحدث 14 تموز واطاحة النظام الملكي.
وقد ساهمت انا ايضاً في أداء الرأي بما حصل عند استعادة هذه الذكرى بمقالات صحفية، تتسم بقدر كبير من الموضوعية، كما اعتقد بهدف المزيد من فهم هذا الحدث وما آلت اليه امور العراق وشعبه. لكن ما لفتني رأي احد المؤيدين للانقلاب والمعارضين أو المعادين بقوة للملكية والعهد الملكي، الذي بدل أن يساهم في انضاج الحوار وتعدد وجهات النظرـ سواء حول اطاحة النظام الملكي وذبح العائلة الملكية أو حول الانقلاب وإقامة (النظام الجمهوري)، استعاد صاحب هذا الرأي كل السيئات التي رافقت تلك المرحلة، أو التي تلتها باسلوبها وقدحها وسبابها واتهاماتها الهابطة. فمثلاً اعتبر صاحب هذا الرأي أن الهوس الشعبوي الجديد بالملكية هو (حاله مرضية)، وليس راي أو وجهة نظر مشروعة ومحترمة، ومن حقها أن تعبر عن نفسها. وأضاف، أن المهوسين بالملكية يريدون لانفسهم ولبقية المواطنين الدخول إلى القصور كخدم، ويتمتعون برحمة الملك وينبهرون بترفه ويسعدون لانهم يجمعون نفاياته! هكذا يهان ويحقر صاحب كل رأي بالملكية، كما يرى صاحب الرأي المؤيد والمناصر لانقلاب 14 تموز الذي وفر برنامجاً ثورياً بالعراق خلال خمس سنوات، ولولا وجود البرنامج الثوري الجاهز، ما كانت التحولات بهذه السرعة، أي في ثورة انقلاب 14 تموز كما يقول.
إن صاحب هذا الرأي بالثورة ومنجزاتها وبرنامجها الثوري، قد عمد للتأكيد على ان الاحداث – كما يرى – أثبتت أن المناخ اليساري وخاصة الشيوعي كان قد قدم خارطة طريق واضحة لتأسيس النظام الجديد وتشمل التحول إلى الجمهورية والاعتراف بالتنوع المجتمعي، وغير ذلك من انجازات ما يجعل من حدث 14 تموز 1958 ثورة حقيقية منذ بدايتها، غير أن ما فات صاحب الرأي أن يشير اليه ربما سهواً – أن من الانجازات ايضاً رفع شعارات (ماكو مؤامرة تصير والحبال موجودة ) و( بعد شهر ماكو مهر) وما فاته ايضاً، ربما سهواً الاشارة إلى أحد الامثلة للتعبير عن الاعتراف بالتنوع المجتمعي هو معاداة القيادة الشيوعية آنذاك للتركمان وارتكاب مجزرة دموية ضدهم في كركوك ( دفن بعضهم احياء) وغير ذلك. تلك الاخطاء، بل الاغلاط التي ارتكبت في العهد الثوري ونقدتها بعض القيادات الشيوعية، حاول صاحب الرأي استعادتها بشكل ساطع بأساليب أخرى، كاستعادته للجمهورية بتوجيه الإهانة والتحقير والوصف بالحالة المرضية بمن يرى ايجابيات الملكية، التي اصبح كثيرون يدعون لاعادة الاعتبار لها، ليس لاعادة الملكية بل لنظام يعمل ويبني العراق، كما فعلت وانجزت الملكية خلال اربعين عاماً.