اللا معقول في الثقافة الموسيقيَّة

ثقافة 2023/07/12
...

سامر المشعل

تصاب بالدهشة والاستغراب عندما تشاهد بعض المقابلات، التي تجريها بعض القنوات الفضائية مع عدد من الفنانين الشباب، وآخر لقاء شاهدته، كانت مقدمة البرنامج شابة على قدر من الجمال ومهتمة كثيرا بمظهرها، لكنها لا تمتلك الحد الادنى من المعرفة والثقافة بمجال الغناء، بل لا تعرف رموز الغناء العراقي، التي يعرفها أي شخص متذوق للغناء.
كانت تحاور مطربا وملحنا من نجوم الغناء الحديث، لا نريد ذكر اسمه، كان اللقاء عبارة عن فضيحة معرفية، فقد كشفت هذه البنت الحلوة عن فقرها الثقافي والمعرفي في مجال الموسيقى والغناء، وانعدام معرفتها بمطربين معروفين في ساحة الغناء، وهم ما زالوا على قيد الحياة، ويقدمون الغناء والحفلات وأبسط متابع يعرف أن أغنية "يفر بيه" هي للمطرب محمد الشامي، لكن مقدمة البرنامج لم تسمع باسم هذا المطرب، وتجهل أن هذه الاغنية له.
بالمقابل أن الفنان الشاب الذي تحاوره يأخذه الزهو والاعجاب بنفسه ويتحدث، وكأنه جاء بما لم تستطعه الاوائل، ويقع بمطب آخر أكثر غباءً وتخلفا من مقدمة البرنامج التي تحاوره، فيغني أغنية "على المحبوب ودوني" وينسبها إلى الفنان حسام الرسام!.
والحقيقة أن أغنية "على المحبوب ودوني " هي للمطرب الراحل عارف محسن، قام الفنان حسام الرسام بسرقتها وتقديمهابصوته.
عارف محسن مطرب سبعيني حاصل على شهادة الماجستير، وسبق أن تولى منصب نائب نقيب الفنانين، وله العديد من الاغاني، ولعل اشهرها أغنية "زعلان الاسمر".
لو قدر للفنان عارف محسن أن يعيش ليشاهد البرنامج ويرى ما آل اليه مستوى الفن، لمات كمداً وحسرة على الفن.
فقد هاجر الفنان عارف محسن العراق في تسعينيات القرن الماضي إلى ليبيا، وعمل استاذا جامعيا في طرابلس، كنوع من الاحتجاج على مستوى التردي والانحطاط، الذي اصاب الاغنية العراقية وحجم التفاهات، التي كانت تبثها اذاعة وتلفزيون الشباب انذاك.
أما الآن فقد وصلنا إلى مرحلة الا معقول بالثقافة الموسيقية.
تكمن الخطورة في هكذا برامج أنها لا تكشف عن غياب الافق المعرفي والثقافي لمقدمي البرامج والفنانين وحسب، إنما فيها معلومات خاطئة وتشويه للحقائق ومغالطات تاريخية، فالمشاهد من الجيل الجديد تصله المعلومات مشوهة وبعيدة عن الحقيقة، وبذلك هذه البرامج تعمل على تجهيل المتلقي وتنحو باتجاه تسطيح وتسفيه المشاهدين وتسهم بصناعة التفاهة.
وعندما تظهر هكذا برامج ويستمر تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي ممزوجة بحسرة وألم المثقفين والموسيقيين.. بما وصل إليه الإعلام العراقي الحديث من أمية وتسفيه.. أتساءل أليست هناك مراقبة ومتابعة من قبل أصحاب القنوات على البرامج ونوعية ما يقدم، أم هم مستمتعون بما وصلت اليه "الحلقة" من نسبة مشاهدة على مواقع التواصل الاجتماعي، على حساب ذوق الجمهور وثقافته.