علي المرهج
قد تكون أبعاد مفهوم الديموقراطية السياسية، هي التي تجعل كثيرا من مفكري العرب النهضويين والمعاصرين، بل والساسة وصناع القرار في مجتمعنا يخشون الديموقراطية، لذلك يكون لمفهوم «الفلسفة المفتوحة» بتعبير مستعار من فلسفتي «باشلار» و«كارل بوبر» ما يهيئ لمقبولية «التعددية» المقابل الفلسفي والسوسيولوجي والثقافي للديموقراطية، لأنه يحمل في مضمونه «فلسفة مفتوحة»، توسع من مجال الفهم وتفسح المجال للفهم المغاير ولطبيعة تعدد طرق المعرفة.
وما حصل في العصر الإسلامي الوسيط كما يؤكد هذا الرأي (حسن صعب)، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على فاعلية الإسلام وحركيته وإبداع مفكريه، فالطريق الصوفي فتح الطريق للتكاشف مع التصوف المسيحي والمشرقي الافلاطوني الجديد، والطريق العقلاني فتح الأفق للتواصل مع الفلسفة اليونانية ومع العلوم الأخرى، وفتح له طريق التذوق الجمالي «البيان، أفقًا تثاقفيًا مع هذه الآداب والأديان والفنون التي تفاعل معها الانسان، ورغم ذلك بقيت معبرة عن روح الإسلام القرآنية الخلّاقة، أي عن روح التواصل السرمدي بين الله والانسان، هذا التواصل الذي يعدّه الاسلام ذروة التحرر الذاتي.
فإذا طرحنا سؤالًا فلسفيًا حول «الديموقراطية» تقتضيه «الفلسفة المفتوحة» ألا وهو؟ هل حكم الفرد المستبد أفضل في الحكم؟ أم الحكم الذي يقوم على الانتخاب الحر والفصل بين السلطات وتعدديتها كل حسب مهامه الدستورية؟.
إن الجواب لا يحتمل غموضاً ولا التباساً. ولكنه من جهة التبني يتعارض مع موروثنا السياسي والفكري عن هذا المفهوم؟، لذلك يستدعينا هذا للبحث في فلسفتنا عن رؤية فلسفية منفتحة، مثلتها الفلسفة الإسلامية خير تمثيل من جهة الانفتاح على الآخر المختلف، والبحث عن علوم «الغير» المغاير لنا في «الملة»
يؤكد (الجابري) أن «العدل يحتل مكانة سامية في سُلم القيم»، وكأنه يؤكد أنه بديل الديموقراطية، أو السند لنا في تبني تطبيقها!، وأظن أن رأي (الجابري)، هذا لا يختلف عن رأي السلفيين التوفيقيين الذين ينتقدهم.
هناك تضاد بين فكرين نهضويين عربيين: فكر فلسفي منفتح: «حداثي»، وآخر: فكر منغلق: «سلفي»، وآخر يحاول أن يمسك العصا من المنتصف بموقف يوصف بأنه توفيقي، ولكنه في الوقت نفسه موقف تلفيقي: لأنه يجمع بين فكر منفتح «حداثي» له جذور نشأة ثقافية واجتماعية مع فكر منغلق، له جذور مغايرة، ومختلفة، لذلك يكون التلفيق حاضرًا أكثر من التوفيق.
حتى في الفكر المنفتح على الآخر في فكرنا العربي النهضوي، نجده في الوقت ذاته منغلقا حول أيديولوجيا أحادية، لأنه فكر عقائدي يتبنى فكر الآخر وكأنه هو الفكر الخلاصي، لذا هو فكر منغلق بتحصيل الحاصل.
يرى محمد عابد الجابري أن: «الحداثيين ـ على سبيل المثال الماركسيين - ينظرون إلى الديمقراطية السياسية بوصفها الوسيلة التي تستعملها الطبقة البرجوازية، لفرض سيطرتها على الطبقة الكادحة. أما التيار الليبرالي العربي فتأجيل الديمقراطية عنده لا يعبر عنه بمثل هذه الصراحة والوضوح، لب يتم ذلك من خلال آليات أخرى. إن الموقف الليبرالي الذي ينادي بالأخذ بقيم الحداثة الأوربية، لا يتحمل الديمقراطية إذا كانت تعني «حكم الأغلبية»، لأنه يدرك أن الأغلبية ليست له، بل هي للطرف الآخر المنافس له، كان الفكر السلفي (الإسلامي) التوفيقي مع الديموقراطية شكليًا، إلا أنه فكر لا ديموقراطي في الأغلب الأعم، لأن الديمقراطية إما أن تكون هي الشكل الآخر من الشورى، لذلك فنحن لسنا بحاجة لها، أو تكون ضدها، فتكون شكلًا ومضمونًا تفقد معناها ووظيفتها.
أما الموقف السلفي (الإسلامي) الراديكالي، فهو يرفض الديمقراطية الغربية، لأنها تقوم على آليات حديثة لا يُحسن استعمالها، وكثير منها يتناقض مع القيم التي يدعو إليها، ولذلك فهو يفضل «المستبد العادل»، ويركن إلى الشورى العمل برأي «أهل الحل والعقد». وملخص أطروحته أن الشعب ليس هو مصدر السلطات، كما تقول بذلك الديمقراطية، بل الله تعالى.
لم يكن المفكر القومي الذي نهل من هذا الاتجاه أو ذاك، مع الديموقراطية، لأنه يخشى على «الوحدة» من نزوعها للتعددية، فقد «كان يتجنب توظيف شعار الديمقراطية على المستوى القومي، لأنه كان يخاف أن يستغل ضد «الوحدة» التي يُنشدها ويستعمل لضربها.
إن الديمقراطية تعني في ما تعنيه «حقوق الأقليات» و»اللامركزية في الحكم» و»تقرير المصير».. إلخ... ومن هنا سينظر إليها على أنها «تخدم» التجزئة، وبالتالي فلا بد أن يخاف منها على «الأهداف
القومية».