حسين رشيد
ظل العراق تحت سطوة المتنفذين والنافذين في الحكومات المتعاقبة بعد ثورة العشرين، حيث الفقر، والحرمان، والطبقية، وسلب حقوق نسبة كبيرة من أبناء الشعب، حتى جاءت ثورة 14 تموز 1958 وغيرت حياة العراقيين المحرومين من حقوقهم والتنعم بخيرات بلادهم التي كانت حكرا على شركات أجنبية، وشرائح مجتمعية معينة قريبة من النظام الملكي، ورجال سياسية مرتبطين ببقايا النفوذ البريطاني، وما وصل من نفوذ أمريكي، وآخرين بقوا على علاقات مع العثمانيين، فضلا عن رجال الدين وشيوخ العشائر إذ جمعتهم مصالحهم الخاصة، وحتما يقابلهم آخرون يعملون لأجل البلاد فالتفوا حول ثورة 14تموز.
في غضون السنوات الأربع للثورة ومع تطبيق العدالة والإنصاف، وتثبيت أركان العدالة الاجتماعية أنصف المحرومين، وطبقت مجانية التربية والتعليم، وبنيت الجامعات والمعاهد والمستشفيات والمستوصفات، وشيدت الجسور والطرق وبنيت المعامل والمصانع وفتحت القنوات الإروائية، وجرى التوجه نحو الزراعة والصناعة والتجارة بشكل أوسع، مع حماية العملة العراقية، وإصدار قوانين، كتبت، وطرحت، ونوقشت ونضجت، وأقرُت وفق النزاهة والعدل.
ومع كل تموز يعود الجدل حول الثورة، بين مؤيدٍ ورافض، بين متباهٍ بمنجزاتها ومن ينسبها إلى ما يسمى مجلس الإعمار في النظام الملكي دون أي توضيح عما منع النظام البدء بتنفيذ تلك المشاريع، التي يقال إنها أقرت في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، إلا أن حال البلاد وواقعها كان مترديا بشكل كبير.
يذكر المفكر والمؤرخ المصري أحمد أمين في كتاب(حياتي) بعضا من سيرته الشخصية الصادر في العام 1950 ص 185 بطبعته الأولى أثناء زيارته العراق قائلا: (وظلنا نسير فيما بين النهرين دجلة والفرات أكثر من ساعة في أرض طيبة خصبة، ولكنها مهملة مهجورة تنتظر اليد العاملة والرؤوس المفكرة والأموال المدبرة حتى وصلنا بغداد- قارنت بين بغداد الرشيد والمأمون وبغداد الوقت الحاضر، وخصب العراق ومزارعه الماضي والحاضر، فحزنت، ولم أستطع أن أ كتم حزني، فكنت قليل الذوق في أول حفلة أقيمت لنا عقب وصولنا، إذ طلب مني الكلام فتكلمت فيما كان بين بغداد القديم والحديث).
فتصوروا حال بغداد وما يحيطها من مدن أبان فترة الحكم الملكي، وكيف تقارن ببغداد العباسية قبل قرون عدة من وقتذاك، ويذكر أيضا ص 186 ما نصه:(وقد دعانا الملك فيصل إلى الإفطار على مائدته ووجه إليَّ السؤال الآتي: هل من مصلحة بلد كالعراق أن يكثر من التعليم العالي، ولو أدى ذلك إلى كثرة العاطلين من المتعلمين، أو أن يقتصر فيه على قدر ما تحتاجه الحكومة من موظفين؟ وهذا السؤال يستتبع مسألة أخرى نتيجة الجواب، وهي: هل ننشئ هنا مدارس عالية يكثر فيها الطلاب أو نكتفي بإرسال بعثات إلى أوروبا، بقدر ما نحتاجه من غير داع إلى إنشاء مدارس عالية هنا؟).
كان ذلك في العام 1931 وطوال عقدين ويزيد على النصف من العقد ظل حال البلاد على ما وصفه أمين في زيارته، التي بين فيها أن ثمة نعرة عشائرية، وانقساما طائفيا، وبلادا يعيش حالا لا يسر، هذا في زيارة لأيام فكيف كان حال البلاد طوال عقود الملكية.
قبل أيام احتفل بوقفة الغدير وتحدث ساسة وقادة البلاد عن رؤيتهم في حكم العراق، والسير على نهج الإمام علي في الحكم، وهذا صعب جدا، بل مستحيل لما يعرف به الإمام من خصال وصفات، لكن ليس من الصعب الاقتداء بعبد الكريم قاسم في حكم البلاد، وفق الصدق والنزاهة، والعدالة
والانصاف.