الشر بوصفه خصمنا المشترك

آراء 2023/07/13
...







 رعد أطياف

ما أن تستولي الضغينة على أحدنا إلا وفقد بصيرته، وأصبح ينظر من كوّة ضيقة لا من أفق رحب، لكي يرى الأمور مثلما هي لا كما تشتهيها ضغينته. هذا الوباء أصيبت به البشرية منذ القدم، وما زالت عدواه تنهش في أرواح الكثير، حتى فقدوا البداهات التي تتسالم عليها عموم البشرية، وأعني بها مصادر العنف وعالميته، إن صح الاستخدام والتعبير، ذلك أنه عابر للحدود، ومتى ما تحوّلت أي فكرة إلى أيديولوجيا سياسية مغلقة حل العنف هناك. ومعظم الجماعات البشرية تورطت بالعنف، ولم يقتصر هذا الأخير على هوية دون أخرى. يكفي أن تصنع لك أسطورة، مثلما تفعل الأساطير اليهودية، فيكون العالم كل مستباح من أجل تحقيق أسطورتك. يكفي أن تسرق وتشيع الفساد، وأنت تضفي على تنظيمك السياسي صبغة دينية. يكفي أن تقسم العالم نصفين بحجة نشر الاشتراكية، يكفي أن تكون رأسمالياً لتستبيح الطبيعة وتشعل الحروب حبًا بالثروة والنفوذ. المهم في الأمر، ليس للعنف هوية حصرية: يمكنه أن يكون دينياً، قبلياً، قومياً، يسارياً.. دوافع النفس البشرية أخطر بكثير من هذه الهويات. كل هذه الهويات تشترك في نقطة جوهرية: الرغبة في السعادة والخوف من المعاناة. وكلها تشترك في نظرة واحدة: الجهل بحقيقة الواقع. الجهل خصمنا المشترك، أياً كان شكل الهويات التي نتقنّع بها، وكل حزب بما لديهم فرحون. معظمنا يتعاطف مع الحيوانات لأنها كائنات لا تمتلك وعياً كالوعي البشري. في حين لا نتعاطف مع الكثير من البشر، لأنهم، بزعمنا، يدركون ما يفعلون. والحقيقة إن الإنسان حينما يقدم على الأفعال المشينة لا يقدم عليها وهو بكامل حريته! السموم الذهنية لا دين لها على الإطلاق، فما نستقذره عند الغير يتواجد فينا بعض منه؛ كلنا نعاني بصور مختلفة. إن النزعة التدميرية لدى الإنسان ليست إسلامية، ولا مسيحية، ولا يهودية؛ تطاحنت الأنظمة الغربية في ما بينها بحربين مدمرتين وأكلت الأخضر واليابس، ولم يكن للإسلام دور في التحريض! وتمزقت الجزائر على يد فرنسا التنويرية بدون نصوص القرآن. وأُبيدتْ مدن يابانية بالقنبلة الذرية بمعزل عن الشريعة الإسلامية. كل حضارة تتوفر لديها أسباب القوة تفترس غيرها، والتاريخ شاهد على ذلك. الشر عابر لكل هوية. هذا الشاب المتهور، مثلاً، الذي أقدم على حرق القرآن، لم يكن دافعه دينيا بالطبع، وإنما ردة فعل قاسية وضغينة مؤلمة تولدت عن تراكم الجهل. لا الديني، ولا الملحد، ولا اللا أدري معصوما من الشر إلا من حيث كونه إنسانا سويا. وعلى الصعيد السياسي (وهنا بيت القصيد) من يحكم العالم بيده مقاليد العنف! ومن يغدو قوة مهيمنة يضع الخطوط العريضة لشريعة العنف. أنه حر تماماً في التوقيت المناسب لإشعال شرارة حرب ما. التوقيتات الكبرى بيد القوى العظمى؛ لا نعرف متى ينقدح زناد النار لتشتعل حرب كونية أخرى بين الولايات المتحدة والصين، ولا نعلم حجم الخسائر الاقتصادية، والبشرية، لكنها بالتأكيد ستكون خسائر فادحة. هذه الحروب لا تحتاج إلى نصوص دينية، وإنما تحتاج إلى قوة مهيمنة تصارع على النفوذ. العداء الأوروبي الأميركي ضد روسيا، على سبيل المثال، ليس دوافعه دينية( بالرغم من وجود بعض منه على السطح من قبيل تعالي الكاثوليك على الأرثوذكس) بقدر ما يتعلق بالموارد الهائلة التي تتمتع بها آسيا الوسطى. هنا يكمن الشر! وهنا تُزرع بذور الجهل، وهنا نعلم سعة تلك القوة(الشر) كيف تعبر الحدود بلا حاجب أو بواب، وأين ما وجد النفوذ والرغبة بالهيمنة وجد الشر منتصباً تدعمه سلطة الجهل، وهذه الأخير يُصاغ على شكل حذلقات ايديولوجية مصممة خصيصاً لتسميم العقل وتخديره كليا. على أي حال، أن الجهل المقصود هنا هو الجهل بحقيقة الواقع كيف يكون لا كما تريده سلطة الشر؛ سلطة
الأيديولوجيا.