مخلّفات تموز

آراء 2023/07/13
...

كاظم غيلان
يستذكر العراقيون جميعا ماحصل في تموز من وقائع تاريخية في كل عام ومع ارتفاع درجات حرارة هذا الشهر، ترتفع حمى الآراء، باختلافات ساخنة تصل أحيانا حد الشتيمة والطعن الشخصي، لا سيما تلك التي تنشر على صفحات التواصل الاجتماعي.يختلفون في تسمية الرابع عشر منه، فيما اذا كان انقلابا عسكريا أم ثورة وطنية انتقلت بنظام الحكم من (الملكي) إلى (الجمهوري)، مع سرد مناقب وحسنات وسيئات كل منهما
ففريق يرى في حقبة الملكية اضطهادا وسلبا لحقوق الفلاح العراقي وكرامته التي أهانها رجالات الاقطاع، بينما يرى الفريق الآخر العدالة وسيادة القانون وصعود الكفاءات، في تولي المواقع الإدارية ومسؤوليات
المناصب.
النظام الملكي أقدم على إعدام العديد من الشخصيات الوطنية، ولعل من ابرزهم قادة الحزب الشيوعي العراقي (فهد) ورفاقه، وقام بتعليق اجسادهم بمنطقة الباب المعظم، لكن هذه الواقعة، وإن يتذكرها البعض فربما بمرور خجول.
المشهد هذا لا يختلف عن جريمة نظام البعث، حين قام بتعليق أجساد من نفذ فيهم عقوبة الإعدام بداية انقلاب 17 تموز 1968 بساحة الطيران، بعد أن ألصق بهم تهمة التجسس لصالح إسرائيل، التي افتضحت كذبتها حسب شهود من عاصروا تلك
الشخصيات. فريق يكيل الشتائم لقاسم ومن معه، لأنه أعدم أفراد العائلة المالكة، بل ويبكي لما آل إليه مصير مدلل العائلة ووسيمها الجميل فيصل الثاني، بينما يستند فريق آخر على ما اعترف به الضابط عبد الستار العبوسي، الذي نفذ هذه الجريمة بحكم حالة الاندفاع والحماس، التي تملكته صبيحة يوم الثورة -
الانقلاب.
وفي جردة مكاسب كلا النظامين تتصاعد حمى الولاء، فيتضح لك بأننا عشنا مرحلتي رخاء وسعادات، لم تعشها سائر شعوب العالم، في الوقت نفسه وبحكم تراشق الاتهامات يتضح بأننا عشنا حقبتين داميتين مأساويتين، لكن الفريق الأقوى في راهن زماننا هو ذلك الذي يسحب نفسا طويلا، متمنيا عودة أي من الحقبتين، مقارنة بما نعيشه اليوم بعد سقوط نظام صدام حسين في نيسان
 2003. الامر لم يتوقف عند حدود ما تنشره مواقع التواصل الاجتماعي والعديد من صحفنا ومجلاتنا، بل في العديد من كتب بحثت تاريخ العراق السياسي. شخصيا اطلعت على إصدارين لكاتب (سياسي) على حد تصنيفه الاكاديمي لنفسه. الإصدار الأول يعود لنهاية ثمانينيات القرن الماضي، وجاء استجابة لدعوة صدام حسين في (إعادة كتابة التاريخ)، وكان عن شخصية الزعيم عبد الكريم قاسم، وقد نعته باقسى وأقذر الصفات بما في ذلك هيئته الشخصية. إلا أن هذا الكاتب نفسه أصدر قبل أعوام قليلة جدا كتابا عن سيرة قادة وزعماء الحقبتين الملكية والجمهورية، وهو يذرف الدموع على قاسم ونزاهته وهيبة شخصيته
وعدالته!.
ترى كيف ستقرأ الأجيال الجديدة تاريخ بلادها في ظل انقراض ما تبقى من شهود تلك الحقب وصراعاتها وحقائقها؟.
نحن لم نصل ليومنا هذا إلى وجهات نظر مختلفة، لكننا نصل إلى كل مايفسد الحوار من قذف وشتائم، وهذه ربما هي أبرز مخلفات تموز.