التفاؤل أفيون الشعوب

آراء 2023/07/16
...


 حسب الله يحيى

(الدين أفيون الشعوب) عبارة متداولة نسبت مشوهة إلى كارل ماركس، مع أنها وردت ضمن سياق يقول «الدين هو تنهيدة الكائن المقهور، قلب العالم العديم القلب، كما هو روح الأوضاع العديمة الروح، أنه أفيون الشعب»/ كارل ماركس/ مسألة الدين / سربست نبي.
لسنا بصدد مناقشة ما ورد على لسان ماركس، ولكننا بصدد مقولة أخرى لميلان كونديرا يقول فيها «التفاؤل أفيون الشعوب»، وهي عبارة لافتة تلائم وتنسجم مع الأوضاع والأحوال والأحداث والشخصيات والتصريحات، التي نواجهها في حياتنا اليومية الراهنة.
فمذ عقدين من الزمن والساسة والمسؤولون و(المحللون) يحاولون أن يزرعوا في نفوسنا شحنة من التفاؤل والآمال الكبار المرتقبة، التي سنواجهها في مستقبلنا العراقي القريب، وليس البعيد والعابر أبدا!
غير أن الأيام والشهور والسنوات تمضي، ولا نمسك بهذا التفاؤل، الذي بات عصيا على حياتنا، ثم أصبح أفيونا يخدر أعصابنا، شأنه شأن المخدرات، التي باتت حديث الشارع العراقي، مع أن هذه الظاهرة كانت معدومة وغائبة كليا عن حياتنا..
هذا الافيون الذي اسمه التفاؤل عملت الحكومة على إعمامه وعدته ظاهرة ايجابية في حياة المواطن العراقي، في حين كنا نريد من الحكومة أن تحمينا من هذا التفاؤل الفج، الذي لا يمكن أن يرسو على واقع عراقي ملموس، حتى أنه بات يتسلل إلى أعماق نفوسنا، ويؤثر في حياتنا ووجداننا وسلوكنا اليومي.. سلبا.
هذا التفاؤل الغيبي، والذي نسمع به في كل لحظة، تحول إلى يأس مفرط، بدلا من أن يكون صفحة خضراء تمدنا بالحياة وبالغد المشرق.
عقدان من الزمن الصدئ، ونحن ننتظر عراقا آمنا وشعبًا سعيدا ووطنا حرا كريما، وبلادا مرفهة، إلا أن الواقع كان يقول العكس تماما.
فنحن لا نجد في كل صفحات التفاؤل، التي جندت لها الحكومة والساسة والكتل إعلامها و(محلليها الأشاوس)، من دون أن نجد صفحة واحدة تبعث على التفاؤل.. بل وأن كل يوم يمر علينا، يشعرنا تماما أننا أزاء أفيون من نوع خاص، تعجز الحكومة، بل والدولة العراقية برمتها على محاربته وانقاذ الشعب من ويلاته ومخاطره وكوارثه، والتي باتت تشكل اليأس والاحباط كليا، لدى اي مواطن عراقي في هذا الزمن الصعب.
ولا نجد ثمة بارقة ضوء يمكن لهذا الأفيون، الذي اسمه (التفاؤل) أن يحقق حضورا أو معنى حقيقي في حياتنا الراهنة، بل نحن نواجه على العكس من ذلك يوما أسوأ من سابقه.. بدليل أن العراق، الذي كان أول بلد عربي ادخل الكهرباء إلى مدنه وقصباته في العام 1917 ؛ لا يجد الآن كهرباء تنير دروبه في العام 2023.
واذا علمنا أن اليابان تمكنت من استخدام حركة الاقدام لتوليد الكهرباء، وأن بلدانا عديدة تمكنت من توليد الطاقة الكهربائية عن طريق النفايات وبلدان أخرى استفادت من اشعة الشمس، ومن حركة المياه وحركة الهواء كذلك.
نعجز نحن أبناء هذا العصر عن انشاء منظومة كهربائية، لا تجعل أصحاب المولدات يذلون الناس، فضلا عن إذلالهم من قبل وزارة تعلن عن نفسها بـ(وزارة الكهرباء)، والكهرباء تطفئ نورها منذ عقدين.
وكذا الماء الذي بات يقطر فجرنا تقطيرا، ويجعلنا نشطب كليا على هذا الافيون، الذي اسمه (التفاؤل)، بل نعد أنفسنا للعيش في عراق صحراوي!
ولا علينا من الغنى الفاحش على حساب الفقر المذل، الذي يحول دون أن يحيا الإنسان بوصفه انسانا، ينتظر (ميزانية) عصية على ان تكون في خدمة الشعب العراقي وليس جزر القمر مثلا أو المسؤولين الكبار أو المنعمين في ظل (المظلومية) السابقة التي تحولت إلى ديون في رقبة الحكومة وعليها أن تسددها بالعملة الصعبة.. وكأن كل من استشهد أو عارض السلطة السابقة يجب أن ندفع له الثمن.. وليس لنا أن نفكر بقيم العدالة والحق والإنصاف للعراقيين.
نحن امام واقع مزرٍ لا فكاك منه ولا تنصل من عواقبه، التي نعيشها بمرارة وسقم ويأس ومع ذلك يعمد من بيده زمام الأمور، إلى أن يحيطنا بـأفيون التفاؤل، الذي سيظل في المخيلة العراقية عصيا على التحقيق، وعصيا على أن نكون في ظله بشرا يسود فيه الأمن والسلام والمحبة وينشر الحق
 والعدل..
فهل ننتظر عقدين آخريين نتفاءل بهما تفاؤلا أفيونيا دائما؟.