حسن الكعبي
استناداً للمحددات النظرية في تعريف مفهوم الجمال في الأدب أو المنهج الجمالي في الأدب والنقد الأدبي ، فإن هنالك عدداً من المفاهيم والمسميات التي تختلف في تعريفه، لكنها تتفق على جوهر الفاعلية الجمالية في الادب ، من خلال حصر الوظيفة الجمالية في توليد المتعة عند القارئ، دون أن ترتبط بسياقات أخرى قابلة للتأويل والتحليل بمعنى ان النص الجمالي هو بنية مكتفية بذاتها ولا ترتبط بسياقات أخرى ،
وذلك ما نجده في تصورات المنهج الشكلي الذي درس الأدب بوصفه بنية جمالية مكتفية بذاتها ، وأن الأدب يجب ان يدرس في حدود هذا العزل - أي عزله عن السياقات المرجعية - بوصفه تجربة جمالية بريئة عن ارتباطات مرجعية تشكل حقله الدلالي , وهذا التصور هو المهيمن على المذاهب الاستاتيكية ، التي تدور تصوراتها حول أربع كلمات مفتاحية هي «جمالي، فني، أسلوبي، شكلي» تهدف الى مركزة النص ضمن الحدود الشكلية أو البنية الشكلانية للنص , وما يضفيه الشكل والإطار العام والبناء الداخلي في النص من جمالية خالصة ، بعيداً عن علاقته بالمجتمع أو دلالته على مؤلفه أو
محتواه.
في هذا السياق فإن المنهج الجمالي في النقد الأدبي يؤسس لاستقلاليته عن باقي المناهج (السياقية ) التي تدرس الادب من منطلق ارتباطه بسياقاته الاجتماعية والتاريخية ، فضلا ، عن ارتباطه بالمؤلف ( منتج النص ) الذي أقصي دوره في التصورات البنيوية في سياق الافتراض البنيوي لــ ( موت المؤلف ) كما عند رولان بارت ، بيد ان هنالك تصورات أخرى للأدب تعمل على استنبات منهج تكاملي يعتمد الستراتيجية المزدوجة في قراءة النصوص، في مسعى منه لأن يمنح النص فضاء أوسع في التعبير عن نفسه بوصفه تجربة جمالية واقعية هي نتاج تشكلات خطابية تقع خارج حدود إنتاجية النص ، أي أن النص في تجربته الجمالية إنما يرتكز على تجربة واقعية يتم نقلها الى الحقل الإبداعي ، وذلك يعني ضرورة دراسة الأدب كمعطى جمالي ضمن السياقات والفواعل الإنتاجية المسهمة في تكوين التجربة الجمالية ، وهو ما يقصد به (المنهج التكاملي) الذي يعني الاعتراف بالمنهج الجمالي وإدماجه بالمناهج السياقية ، بمعنى ان المنهج التكاملي في هذا الإطار يهدف الى دراسة نصوص الأدب الجمالية ضمن السياقات التي تم عزلها في التصور الشكلاني .
فالكتابة بشكل عام – ضمن هذه المحددات السياقية - هي فعل جمالي يسعى في إنتاجيته المعرفية إلى تكريس قيم المحبة ,
وتخطى حواجز الدوغما للوصول الى لحظة التنوير بطبعتها الإنسانية التي تتطلع الى إدماج العالم ضمن هوية إنسانية عابرة
لكل التحيزات الفئوية , فالكتابة مشروع لتحرير العقل من الانسدادات والدوغمائيات كما عند - محمد اركون مثلا- وهي ممارسة تحريضية ضد كل أشكال الدوغما
وهي فك مهيمنات السحر بتشكلاته الايدولوجية عن العالم كما عند ( ماكس فيبر ) وهي هواية تنخرط بشكل مماحك ومستفز للتحكمات والاكراهات الايدولوجية وهدم ركائز المؤسسات السلطوية
وتفكيك قوامعها عند المثقف الفوكوي , أو قد تكون مهنة احترافية حسب إدوارد سعيد تذعن وتمتثل لإملاءات السلطة مقابل مردود مالي ,او هي مساهمة ديمقراطية في تكريس جمالية النزعات الانسانية في سياق التوسعة الدلالية لمفاهيم التسامح , وقد تتجه الكتابة اتجاها مضادا أي اتجاها تحريضيا
ضد أشكال التسامح والمحبة , أي تلك النوعية من الكتابة التي تتعلق بالنصوص الظلامية المنتجة للإرهاب , لكن هذا يظل شكلاً من أشكال الممارسة الكتابية وأما جوهر الكتابة أو أصلها فهو يتعلق بفعل التنوير وصناعة الجمال والمحبة .
إن الكتابة وهي فعل إبداعي في كل الحقول إلا أنها ستتخذ مسارا آخر عن مسار
التصنيفات السابقة اذا ما تعلق الأمر بالكتابة التي تتغذى على متخيلاتها الشعرية واستعانتها بهذه المتخيلات للوصول الى
سؤال الوظيفة الكتابية وهو السؤال الذي سيضعها ضمن المستودع الدلالي وإنتاج المعنى من الكتابة ضمن التصنيفات
الاولى، بمعنى أن الكتابة في هذا المجال تسعى لأن تحرر الوعي عن طريق تحرير المتخيل من قبضة الأسطوري والرمزي وتشغيله ضمن الواقع – أي - بجعله مثابة من
المثابات القرائية للواقع فالخيال كما يقول سارتر (هو الوعي بأسره من حيث هو قادر على تحقيق حريته ) أو كما يقول باشلار
(المخيلة أكثر عمقا من الذاكرة , إذ في حريتها المتوحشة يتجسد جوهر الفكر) , بمعنى أن الكتابة سواء تعلق الأمر بالممارسة النقدية أو الفكرية أو بالممارسة الشعرية أو الأدبية الجمالية فإنها تسعى الى المبتغيات ذاتها في تجاوز النزعات الاصطفافية والانتماء الى الفضاء الإنساني الأكبر , فالقيمة المتحكمة بمشروع الكتابة هي قيمة إنسانية لتحرير العقل والروح من ضواغط تحيزات الهوية وتحكمات المخيال المحرض على الكراهية بمعنى ان الكتابة هي فعل تحرير شامل للإنسان من الانغلاق ضمن سياج هويته الفرعية الى فضاء حر يسعى للاندماج في الامبراطورية الإنسانية التي تسودها روح القوانين الإنسانية .
نستنتج في ضوء هذه المعطيات بأن الكتابة بحد ذاتها فعلا جماليا يسعى لتحقيق قيم إنسانية في الواقع الاجتماعي ، لكن الأدب يبقى أكثر أشكال الكتابة إنتاجاً للجمال وأكثر أشكالها مسعى في تحقيق القيم الانسانية ، وفي إطار هذا المسعى يتحدد ارتباطه بسياقته العامة ، ومن ثم ضرورة دراسة الأدب ضمن الحدود الجمالية التي تحكمه كأحد أهم وظائفه الإنتاجية , لكم في سياق الانفتاح على السياقات الحاضنة له ، بغية الوصول الى فاعلية التأثير والتأثر في الادب وما يفرضه من أشكال قيمية تسعى لتغيير المفاهيم القبحية التي تغرس انساقها في المجتمعات كأشكال ضارة يجب التخلص منها عبر اإتاج الجمال .