محمد أحمد فارس
من الطبيعي أن نتساءل من هي القوى الاجتماعية الرئيسة المؤهلة لتغيير هذا الواقع ودفعه نحو توازن جديد؟ إن أكبر قوة اجتماعية محركة للوضع العراقي اليوم هي كتلة الشباب الضخمة.
فهذا الجيل هو أكثف الأجيال، فلا احتياجاته في معظم الحالات مؤمنة ولا مستقبله الشخصي والمهني والإنساني واضح، ولا أحلامه قابلة للتحقيق في ظل سواد الفساد، وضعف المؤسسات وشخصنة القرارات.
هذا الجيل يشعر بالتهميش كل يوم.
لكن الجيل يشعر بإمكانية وصوله لمبتغاه عبر التمكين الذي يستمده من الساحات العامة والتعبير عن الرأي وتنظيم نفسه لمقاومة الفساد والأساليب السلطوية، الجيل الراهن يقف في مجرى تاريخي إجباري في ظل تنامي الأسئلة الصعبة وانسداد السبل والشعور بالتميز والعنصرية بين عموم الشعب.
ومن لم يقتنع اليوم بضرورة التغير من الأجيال الأخرى والشرائح المختلفة للمجتمع، سينضم لمدرسة التغيير بعد سنوات.
قد تكون التنظيمات السياسية التي تأسست وفق رؤى ومتبنيات طائفية أو قومية راديكالية، هي التي دفعت الشباب في العالم العربي عامة والعراق على وجه الخصوص بالاحتجاج على الأنظمة، ما شاهدناه في الربيع العربي من زحف إلى الساحات وتحد للاجهزة البوليسية، التي وقفت عاجزة من السيطرة على محركاتها وفواعلها، فكانت تداعياتها اقوى من الخطط الميدانية الضعيفة، والتي كشفت هشاشة الأنظمة وشيخوختها، وعدم مواكبتها لتطلعات الجيل الجديد، ولكن الواضح أن هذا الجيل عميق في رؤيته ومختلف في جوهره، وهو لا يرى أن الحل الراسي كافٍ، لتغيير الوضع المتدهور، وإنما لا بد من تغيير أفقي ونضال اجتماعي حقيقي، وهذا لا يتحقق بالاحتجاج وحده، إن بناء الحلول يأتي عبر حراك فكري يعالج المساحات المشوهة والمفاصل العاطلة في بنية النظام ولتصحيح أفضل ومسار أوضح، لا بد أن يكون الحراك مفهوما في طرحه ومنسجما مع الواقع ومتفاعلا مع الآخر، لذلك من الخطأ أن نسمي هذا الجيل متمردا، لأنه يعرف ما يريد ويخطط ليصل إلى ما يريد ويدرك جوهر التغيير، الذي يقصده وبأية آليات ينجح.