إحسان العسكري
بالتقنية الفنيّة العالية والذوق الإنساني الفريد تريسيراس على أنّه من النماذج غير المتأثرة أو كما وصفوه كان عصاميّاً بامتياز طرح عواطفه وانتماءه للإنسان المجرد عبر أعمال راقية استخدم فيها فن تصوير الجسد بشكل أكثر أناقة وذوق وشاعريّة وإحساسٍ عالٍ بالجمال، فبريشته أتقن التفاصيل ولم يغادر الخيال حتى أنّه وحسب رأيي عبر النمطيّة في المدرسة الواقعيَّة إلى ما بعد الفائقة، وكثيراً ما يطرح المشاهد للوحاته السؤال المتكرر دائماً: هذا رسم فعلاً؟
تراسيراس المصوّر والنحَّات والتشكيلي ركّز اهتمامه على جانبٍ فريدٍ في الرسم متخذاً من المرأة وتفاصيلها موضوعاً حيَّاً لنتاجه الغزير، ولا يؤآخذ الفنان في اختيار موضوعاته، ولا يعني رسم تراسيراس لعارضات الأزياء وملكات الجمال أنَّه لا يجيد غير هذا النمط.
لأنَّ المتأمّل لدقّة وموضوعيَّة لوحاته يُدرك جيداً أنّه أمام أنامل تجيدُ جيداً استخدام الألوان وتعلم أين تضع مفاهيم الذوق الرفيع وتستثمرها، حيث استهدف غير المشاهير من هذه الفئة، لذا أجاد الاختيار، إذ ليس في لوحاته ما يقال عنها ليست جميلة أبداً، بل على العكس تماماً كان جُلُّ اهتمامه في الجمال.
بهذا شطب على فكرة أفضليَّة المشاهير، نحن نتحدث هنا عن جانبٍ إنساني كان نتاجاً للمحيط الاجتماعي، فلأكثر من ثلاثين عاماً كان هذا الفرنسي يبحث عن مكامن الجمال في المرأة ويرسمها طارحاً أمام المتلقي شيئاً من الترف والأناقة.
كان الأخير يبحث عنه بطبيعته، بالألوان الناعمة والخفيفة التي استخدمها والشاعريَّة المطلقة التي يتمتع بها أنتجَ كمَّاً لا يستهان به من صور الجمال، وبرأيي بعد الرسّام الإيراني إيمان المالكي يعد لويس تراسيراس موضوع مواقع التواصل الاجتماعي في أيامنا هذه، فهو من بين الفنانين العالميين الأكثر قرباً من الذائقة العامة فاستخدام أعماله في الموضوعات التي ينشرها ويكتبها العامة والنخب خير دليلٍ على هذا المفهوم، وهذا الأمر كان سهلاً على المتلقي البسيط فالمدرسة الواقعيَّة والواقعيَّة الفائقة تصل بسرعة لروح الإنسان بغض النظر عن كينونته ومكانته الثقافية وذوقه الفني، لأنّها غالباً ما تُحاكي واقعه ولا تطلب منه جهداً معيناً للتحليل والقراءة العميقة، لأنّه غالباً يفتقرُ. لهذه المؤهلات.
لذا أعتبرُ الوصول للعامة في ما يخص الأدب والفن "مع الاحتفاظ بالمكانة الذوقيَّة" هو أهم ما نحن بحاجة إليه وسط هذه الدوامة من الفوضى والإسفاف وشهرة أشباه البشر.
هكذا عاش لويس تراسيراس كفنان معاصر رسمَ ونحتَ وصوّرَ المرأة وتفاصيلها ببراعة مستخدماً الزيت على قماش والزيت على كانفاس تارة، والألوان المائية تارةً أخرى، بأحجام لوحات متوسطة وكبيرة زيَّنت غالباً صالات البيوتات الارستقراطيّة الأوروبيَّة والأميركيَّة وصالات العرض العالميَّة.
لويس تراسيراس حكاية من حكايات عشق المرأة في خيال الفن الراقي، كان وما زال يرسمها بعبقريّة وواقعيّة فائقة وصوّرها بدقة عالية وشاعريّة فريدة، فهو ابن مجتمعه وبداياته واستمراره بهذا النهج جعل منه مميزاً وحاضراً في كل مكان، وإن كانت بعض أعماله تعاكس الذوق المجتمعي العربي إلّا أنَّ حضوره كان مميزاً ومهماً فيها.