يعقوب يوسف جبر
وهنالك فارق شاسع ما بين دولة المؤسسات والدولة المغايرة، فالاخيرة متعثرة في إدارة شؤونها يدب الفساد في مفاصلها وتنتشر الفوضى في انحائها.
فالكثير من المواطنين فيها مهدورة الكثير من حقوقهم، وتستولي فئة محددة على المال العام وتسهم في تدمير الدولة، وهذا ما تشهده بعض دول العالم الثالث والرابع، ومن أبرز أسباب هذا التدهور هو طبيعة المجتمع وعاداته وتقاليده وعقله الجمعي، فهو مجتمع يميل الكثير من افراده إلى تبني ثقافة العبث والفوضى والتهرب من تحمل المسؤولية، فبلا ادنى شك أن دولة ضمن هذا المجتمع لن تشهد نهوضا وتقدما في كافة المجالات.
لا يمكن لدولة ان تنهض أو تنمو أو تتقدم لتكون دولة مؤسسات فاعلة ونافعة؛ اذا كان مجتمعها يستهين بمسؤولياته تجاهها ويخالف أنظمتها بنفس الوقت يستهين القائمون على ادارة شؤونها بدستورها وانظمتها وقوانينها ومواطنيها.
قد يتصور البعض جزافا أن دولة المؤسسات يمكن ان تتطور رغم فساد القائمين عليها، وهذا رأي غير موضوعي، فلا يمكن لدولة المؤسسات أن تنهض في ظل الفساد، بل لا بد من تطهيرها من الفساد، لكي تستقيم شؤونها، فثمة دول كانت تعاني من الفساد كانت محطمة لكنها استطاعت أن تطيح برؤوس الفساد، لتنتصر ثم تتقدم وتنهض وتعيد فاعلية مؤسساتها في تحقيق أهدافها التي تصب في مصلحة كل المواطنين دون
استثناء.
كما أن سلطات دولة المؤسسات المنهارة مغتصبة من قبل القائمين على ادارة شؤونها من الفاسدين، لذلك ينبغي على الشعب أن يسهم في تفعيل مبدأ الشعب مصدر السلطات بإزاحة الفاسدين والمتهاونين، ممن يشغلون مناصب حساسة في الدولة وإفساح المجال للأكفاء من أصحاب النزاهة، لكي يكونوا بدلاء أقوياء لهؤلاء الفاسدين.
ولا يمكن القضاء على الفساد إلا بإنزال العقوبات المناسبة بحق الفاسدين وعزلهم، لكي يتمكن الصلحاء من تشييد دولة المؤسسات، التي ترتكز على دستور متين متوازن وتشريعات مناسبة تحقق منافع للصالح العام.
لكن اذا لم يتحقق هذا الهدف فسوف تظل الدولة ذات مؤسسات ضعيفة لا تقوى على اصلاح شؤونها، بل يظل التنافس قائما ما بين الفاسدين لسلب مقدراتها، وعدم السماح للصلحاء بشغل مناصبها لأنهم يشكلون خطرا عليهم.
كما لا وجود لدولة المؤسسات التي تخترقها العصابات والمافيات، لكن تقوم دولة المؤسسات عندما يحترم الجميع أنظمتها وقوانينها ودستورها وسلطاتها.