إضاءة جُنْدَرِيَّة على المجموعة القصصيّة {بداخلي راقصة شرقية}

ثقافة 2019/04/28
...

حنان الشرنوبي 
 
 
                                             
   يصرّحُ عنوانُ المجموعةِ القصصية عن انتمائِها إلى السردِ(الأدب) الِنّسَوِي وهوالأدب الذي يناقشُ القضايا التي تخصُّ المرأةَ مثل الظلمِ والقهرِ الاجتماعيّ ؛وعلينا أن نَفْصِل بينه وبين (الأدب النسائي) ومصطلح (الِّنسويّة)؛ فأمّا الأخير فهو تيار اجتماعي ثوري تحرُّري نتج عنه الأدب( النسويّ)؛ أمّا الأدب (النسائي) فهو أدب تكتبه امرأة وليس من الضروري أن تُناقش فيه قضايا تُعنىٰ بالمرأة. وانبثق من كل هذا ما يُعرف ب(النقد النسويّ) وهو ماسبق ذكره من تعريف لموضوع المادة الأدبية وعلاقتِها بالمجتمع الذي ظلمها. 
ولقد ألْقَتْ الكاتبةُ الضوءَ عبر مجموعتِها على( الچندر) Genderأو الجنوسة (النوع الاجتماعي) حيث ترى الچندرية - التي تنتمي إليها قصصُنا-أنّ المرأة قد حُكِم عليها حُكْمًا اجتماعيًّا بدَوْرٍ لا دخلَ لجنسِها البيولوجيِّ فيه. ويظهر ذلك بدايةً من الثورة الكامنة خلف العنوان الذي نقسّمه إلى ثلاثة مقاطع.. 
1 - (في داخلي):ولِمَ الّتخفّي؟! 
2 - (راقصة):الرقصُ لغةٌ يعبّرُ فيها الشخصُ عمّا داخله عن طريق الحركات الجسدية ويختلف من مجتمعٍ لآخر ومن زمنٍ لزمن ولكن أي رقصٍ هو؟ أهو الرقصُ بالكلماتِ مع المجتمع حينًا أم مراوغتِه والميلِ معه حينًا آخر.. والرقص هو الرمز الفسيولوجيّ الصارخ للأنثى غير أنَّها تنتمي إلى.. 
3 - ( شرقيَّة) :وهو الانتماء الذي من أجله كان التخفّي ومراوغة المجتمع نتيجة الخوف والقمع. وبهذا يصير للعُنوانِ عنوان آخر صريح  متوارِ ألا وهو..( وأدُ امرأةٍ شرقيّة). وهذا المعنى مما فرضته نصوص المجموعة على القارئ. وحينما نغوص فيها نجد أنَّ هذا الفنَّ القصصيَّ- كما ترى( سوزان فيرجسون) - يركز على تصوير التجربة الباطنية والشعور الداخلي. وما أصدقه من فنٍ حينما عبَّرت الأديبة بصورة واقعية عن صنوف متباينة من الأوجاع الصامته للمرأة!. 
وفي كل قصة نجد أبرز الخصائص قد توفرت.. مثل الإيجاز والتكثيف، وحدة الموضوع، وحدة الهدف، ووحدة الأثر النفسي ( وتخصّ 
المتلقي) . غير أنني اختلف مع بعض النهايات التي ظهر فيها صوت الأديبة معلّقةً مثل قصة (شيطالاك) وقصة (غيرةعمياء) كذلك الَقصص التي  ذُيِّلَت في خاتمتِها بما يشبه الحكمة  مثل قصَّةِ (أحلام مقتولة)  فالوعظ ليس هو الهدف من الإبداع بل الامتاع وقد استطاعت الأديبةُ بالفعل تحقيقه ولكن لكي تكون النهاية بقوة البداية ينبغي أن يتوقف القارئ عند آخرِ حدث؛ فتكون النهاية التي تصل إليه كما يراها ويتلقاها إمَّا من خلال جملة حقيقية مكتوبة أو من خلال جملة في عقل وذهن الكاتبة تتركها مُتحرِّرَةً في عقلِ قرائها. 
وللأدبِ النسوي تقنيات انفرد بها  ميّزته عن غيرِه من أنواع السرودِ مثل: 
1 - (المطّ في السرد) : ويُلاحَظ أنَّها تتعارض مع الإيجازِ والتكثيف وهما من خصائص القصةِ القصيرة.. لذلك تنتمي هذه التقنية إلى الرواية الّنسويّة أكثر منها في القصة القصيرة.. ولكن الأديبة استعملتها في عدة مواطن من دون تكلُّفٍ أو مغالاة خاصَّةً بالقَصص المُسترجَعةِ أحداثُها كما في قصَّة( أحلامٌ مقتولة) و(غيرةٌ عمياء). 
2 -  كثافةُ الاسترجاع:وتغلب هذه التقنية على السرد النسوي أكثر من الاستباق لأن الُّسلطةَ على المرأةِ سابقةٌ وماضوية؛ فنجد الساردة تتحدث حديثًا داخليًّا نفسيًا وهو ما يُعرف بـ ( المونولوج) فتستعيد بالسرد ما سَكَن المخيّلةَ المُعَبَّأةَ بذكرياتٍ غائبة نستحضرُها معها على الأصوات الرامزة لعذوبة الأنثى وحنينِها لنفِسها مع نجاة الصغيرة أو ميادة الحناوي.
3 - القهر الذكوري للأنثىٰ: وأعني به ترصُّدَه الجسديّ والنفسيّ لفرضِ هيمنتِه عليها سواء أعلن عن رغبتِه  تلك أو أخفاها كما في قصة (عطر شرقي) ومن هنا تحوّل إلى قهر اجتماعي يلاحق الأنثى من أقرب الأقربين (الأب- الأخ) وأحيانا يتخذ القهر مسارًا موازيًا وأعني (من الأنثى للأنثى) مثل زوجة الأب أو الأم.. واستعملت الأديبةُ هذا المسار في قصة( غيرة عمياء) حيث محاربة امرأة لغيرها  ومحاولة هدم بيتها بلا مبرر سوى الحقد و الغَيرة. 
4 - مواجهة القهر الذكوريِّ: ففي القصة السابقِ ذكرِها نشعر أنّ الزوجة رغم اعتراضِها على حياتها إلا أنها  خاضعةٌ ومستكينة؛ حُرمت العمل وخطّ المشيبُ رأسَها.. لم تبالِ بكل ذلك حينما حطّم قلبَها بأنْ رأته مع زوجةٍ أخرى. وكأن هذه اللحظة هي الوقود الذي جعلها تجرأتْ وواجهتْ سارقَ عمرِها وعندها فقط سَعِدتْ. 
5 - السلطة الاجتماعية على الأنثى :ويكون ذلك عبر الحصار الذي يلاحقها مع نموِّها الجسديّ وكأنه عار لابد من التخلّصِ منه فيتمُّ التعجيلُ ب(ستِرها) تحت ظلِّ رجل. وهذا ما رفضته الساردة في قصةِ (حقيقةُ حلمٍ) ففي العنوان تضاد ومفارقة..أهي حقيقة أم حلم؟! الحلم بسيط.. والواقع في عدمِ تحقيقِه.. هذه هي حقيقة الحلم المتبدّد تحت نظرية (ضل الحيطة) .
6 - الانحياز للصوت الانثوي:بعد كل ما سبق كان على الأنثى أن تنحاز لصوتها حريصةً على الخلاص والتحررمن ثقافة واقعِها الشرقيّ كما في قصة( أحلام مقتولة).
 ومما اسْتَلفَتَنِي استعمال الساردة ضمير المتكلم في أربع قصص فقط؛ هي (انتحار، رحلة بحث، طوق نجاة، هاشتاج). وأغلب الظن أن الساردة أرادت التعبير عن رسالتها عبر صرختها الخاصة التي عبرت عنها  باقتدار في قصة (انتحار) التي جسدت فيها الجندرية ونتيجة تحمُّل البطلة مالا طاقةَ لها به مما تراه بساحاتِ العمل ويتنافى مع طبيعتها وأنوثتها التي جُبِلَتْ عليهما.