أبعد من حرق المصحف

العراق 2023/07/25
...

أحمد عبد الحسين



قبل أيام تظاهر عراقيون في السويد ضدّ حرق المصحف الشريف، وحدثتْ بعد التظاهرة واقعة مرّت في وسائل التواصل بشكل عابر من دون أن ينتبه لها كثيرون. هجم سويديّ متطرف بالسيف على أحد المتظاهرين واسمه «مرتقى الحلفي» وطعنه عدة طعنات. السلطات السويدية أعلنت أن الجاني مريض نفسياً وأودع المستشفى للعلاج.

هو مريض حقاً. من يحمل سيفاً ليواجه متظاهرين سلميين ويطعنهم مريض يجب علاجه، وأشدّ مرضاً منه مَنْ يحرق كتاباً يقدسّه رُبعُ البشر الأحياء على هذا الكوكب.

غير أنّ تكرار حرق القرآن وحمل السيف في شارع بستوكهولم والتجييش الإعلاميّ وصعود اليمين المتطرّف في أوروبا يكشف عن أنّ قيماً بدائيّة قارّة في نفس الإنسان عموماً لم تقض عليها ثلاثة قرون من التنوير ومن “اختراع” الإنسانية كما يعبّر فوكو وهو يتحدث عن أنّ الحمولة الحديثة للفظ الإنسانية اختراع حديث وعرضيّ وقد يكون طارئاً كما يتضح من الهياج اليمينيّ الذي تثيره حركات أوروبيّة من مثل حركة “ضدّ أسلمة بلجيكا” و”حزب الديمقراطيين القومي السويدي”، و”حزب الحريات الهولندي” و”إخوان إيطاليا” و”البديل من اجل ألمانيا” وسواها.

سيقال إنّ حالة حرق المصحف تظلّ فردية “أمس أحرق مصحف في الدنمارك أيضاً” وأنّ فاعلها يريد ظهوراً إعلامياً سهلاً وشهرة ولو بالعار، وهذا صحيح لكنّ الخطير في الأمر أن هناك جوّاً أوروبياً أصبح معه حرق المصاحف هو الوسيلة الأيسر للشهرة والظهور، كما أصبحتْ حجّة المرض النفسيّ ذريعة لعنفٍ طالما كان يقال إنه من حصة الشرق والمسلمين بخاصة.

الأمر أكبر من حوادث متفرقة هنا وهناك. الأمر يتعلّق بما يحصل في الفضاء السياسيّ والاجتماعيّ الأوروبيّ الذي جعل من هذه الحوادث ليست ممكنة فحسب، بل مدعاة للشهرة أو بوابة لقبول اللجوء لمن تعسّر طلب لجوئه!

هناك غلاف من التحضر والإنسانية وقبول الآخر نراه بأعيننا كيف أخذ يهترئ ويتقشر عن نوازع بدائية يعرف جيداً كيف يستغلّها ساسة عنصريون وطلاب شهرة ولجوء و”مرضى نفسياً” يحملون السيوف في المدن الكبيرة.