اكتشاف اللذَّة.. الفلسفة القوريانيَّة المسكوت عنها

ثقافة 2023/07/27
...

  كامل عويد العامري

«بعد خمسة وعشرين قرنًا من الاختفاء الجسدي لأريستيبوس القورياني، ظلت البيبليوغرافيا الفرنسيّة صامتة على نحو غير طبيعي عن هذا الشكل الأساسي من الفلسفة القديمة. لا شيء يذكر عن هذه الشخصية أو عن عقيدته، ولا شيء عن أتباعه أو المدارس التي تشير إليه. عندما يظهر اسمه، فإنه يستخدم كأنموذج للمتعة السهلة، وبقليل من البذاءة، والابتذال على نحو غامض، إنه يبدو نوعا من الأشخاص الغلاظ لدرجة أن هذه النزوة أو تلك من الرقص المتنكر في زي امرأة يفوح منها العطر - من شأنها أن تمنع من اعتباره فيلسوفا جديرا بهذا الاسم...» بهذا الاستهلال يبدأ ميشيل أونفري، كتابه (اكتشاف اللذة، شذرات قوريانيَّة) الصادر عام 2002.

من الواضح أنَّ قلة المراجع وغيابها في المكتبات أسهم إلى حد بعيد في تكثيف الصمت والجهل، ثم النسيان... ويتفق التقليد الأكاديمي السائد مع رأي هيغل الذي اختُزل بالنسبة له أريستيبوس والقيرونيون، تمامًا مثل الديوجينيسيين [نسبة إلى ديوجينيس الكلبي]  والشكوكيين، إلى فنانين مثيرين للشفقة، وإلى مهرّجين في علاقتهم المبهمة بالقضاءات الفلسفيَّة الشائعة في ذلك الوقت، وعلى نقيض طريقة التفكير القديمة هذه، يجسّد أريستيبوس القيروني تقليدًا فلسفيًا آخر يمكن وضعه في منظور استخدامات وعادات العصر الهلنستي: إنّه يشهد على طريقة وجود وفعل وتفكير قادرة على تقديم نموذج، يدل ولا يهتم بالبرهان، يجسد ويضيف إليه في التجسد، لأنه لا يكترث بالاِبتعاد عن الواقع الحي، وأن يمارس تجريد الجوهر، ليمنح نفسه جوًا مهمًا لمعالجة الكلمات أو بهلوانية الفعل، يتحرك، يأتي ويذهب، يتكلم، يتساءل، يختار الساحة العامة، والهواء الطلق. يفتح الفلسفة على العالم الخارجي ولا يحتفظ بها للأخصائيين والأطباء والعلماء الآخرين في مكاتبهم، إنّه يلتمس بائع الخضار، والإسكافي، والمحظيَّة، والبحّار، والأمير أيضًا، ويسخر من محادثة بين الفلاسفة. تمنعه الكثير من الغطرسة وما هو غير مناسب لأوانه من المشاركة في مجمع الآلهة الذي فيه يسترخي أفلاطون وأرسطو... ويشير أونفري إلى أن «نسيان وفقدان الثقة وهستيرية أريستيبوس والقيرونيين تكشف عن أعراض القمع والعصابيَّة في تاريخ الفلسفة الغربية. في هذه الحالة، فإنَّ رفض الجسد، الذي يُفهم دائمًا على أنّه عدو الروح، يعيق متعة الاتحاد المحتمل مع المبدأ السماوي، سواء كان ذلك على شكل فكرة، أو الرجل الصالح  أو إله الموحّدين. لقد أنتج الجسد المكبوت حضارتنا في شكل عصاب متسامح تاريخيًا، أي أنَّ كراهية الجسد الأفلاطونية، والعبادة التي يؤديها المسيحيون إلى حافز الموت، والاستخفاف الشامل بالأرض، ثم اللعن الذي أطلق على الرغبات البشرية، كل ذلك أدى بتحول قسطنطين إلى تحول الإمبراطورية بأكملها إلى مباهج المسيحية، وهذا كافٍ لإبقاء مذهب المتعة تحت السياط. تلك هي عدالة المنتصرين. «[...]: يكفي، ذلك، بإنكار أي فلسفة لمذهب المتعة، من  إمكانية أن تكون فلسفة. لقد قضي الأمر. كانت المسيحية، وعلم اللاهوت بأكمله- ونذكر إهانات ترتليان الذي يعتبر «أب المسيحية اللاتينية»، و»مؤسس اللاهوت الغربي» ولاكتانتيوس المؤرخ والكاتب الروماني الذي أصبح مستشارا للإمبراطور قسطنطين العظيم، وغريغوريوس النزينزي المعروف أيضًا باسم غريغوريوس اللاهوتي رئيس أساقفة القسطنطينية. وأوغسطين وآباء الكنيسة كل ذلك يقف في الضد من اريستيبوس والقوريانيين! - ثم دور الفلاسفة المثاليين والروحانيين والمثنويين الذين كانوا يعزفون لحن الافتراء، وهكذا رقدت الفلسفة القيرونية في قاع  أطلانطس الذي يصعب استكشافه. إن الدوكسوغرافي [وجهات نظر الفلاسفة والعلماء السابقين.م] يتعامل في المقام الأول مع الأفكار الأقل خطورة، أو الأقل حسماً وراديكالية وتخريبية. ليس من المستغرب إذن أن نرى ميتافيزيقيا ما قبل سقراط تفتح الأقفال البيبليوغرافية وتغلقها اللامبالاة الساخرة - قبل أن تعتبر أريستيبوس الباحث عن اللذة كعضو شرعي في صفوف الفلاسفة اليونانيين الذين يستحقون هذا الاسم ... من أجل ما بقي من يقين كثيرا أو قليلا، من منظور السيرة الذاتية، يمكننا القول إن أريستوبوس ولد في منطقة شحات أو قورينة. لكن هذه المنطقة التي كانت آنذاك منطقة يونانية - وليبيا الآن - تقدم توضيحًا ممتازًا لهذه الفكرة القائلة بأن الجيولوجيا تحث على جغرافيا تستدعي تاريخًا، في حد ذاته. إنَّ الهضبة التي تبلغ ذروتها قورينة تمسك الرياح الآتية من البحر الأبيض المتوسط، والغيوم الكثيفة تندلق فوق المكان - كان هيرودوت يقول إنّه في هذا المكان كانت السماء مثقوبة... كلما زاد هطول الأمطار أكثر من أي مكان آخر، يحول المنطقة إلى منطقة خصبة للغاية ومن ثمَّ وفرة إنتاج الغلال الغذائيّة. فضلاً عن ذلك، في قورينا، يحصدون السيلفيوم أيضًا، وهو نبتة برية منقرضة الآن وكانت تستخدم كتوابل ودواء شهير في جميع أنحاء اليونان، تباع بسعر مرتفع وتسهم في ثراء المنطقة لدرجة أن العملات المعدنية تحمل صورة لها منمنمة على وجهيها. كان المال، والثروة، والتجارة، والرفاهية، والتداول بين الناس والأفكار: هو الجو التاريخي والاقتصادي الذي ظهر فيه أريستيبوس. ومع ذلك، لا يوجد ما يشير إلى أنه ولد في بيئة غنيّة، كما نقرأ في بعض الأحيان هنا وهناك...

إذا أخذنا في الاعتبار ما بقي مرئيًا، يمكننا القول إنّ العقيدة تشكل آلة حرب حقيقيَّة ضد الأفلاطونيَّة. لقد عرف أريستبيوس سقراط، ثم السفسطائيين، وأخيراً أفلاطون، الذي أمضى معه وقتًا طويلاً في بلاط ديونيسيوس الأكبر السّرقوسيّ . تشهد بعض الكلمات المتبادلة المؤذية ذات الطابع العدواني، والمرة والخشنة على التوتر بين الشخصيتين. كان أريستيبوس على دراية بتعاليم سقراط، ونظرية الأفكار، والشك الواسع النطاق حول الجسد والمتعة. ولكن لم يستطع المعاصرون، المتشائمون [الكلبيون]، والقيرونيون والأفلاطونيون شحذ أسلحتهم الفكرية والفلسفية ضد بعضهم البعض. ولنا أن نتخيل العكس؟

يمارس القيروني الفلسفة كشكل من أشكال العلاج، ويفكر في عمله على أنه عمل طبيب: الرجل العادي مريض، وهو يجهل مرضه، لكنه  مريض- مريض من كونه مخطئًا، من التطور عن طريق الخطأ، من خلط الصالح بالطالح، من اعتماد وجوده على مبادئ خاطئة. من أجل علاجه، فإن الاستشارة مدفوعة الأجر ضروريَّة. المال يعني الاعتراف بتكلفة اكتساب الحكمة وإيجاد الحقيقة. (ماذا يقول المحللون النفسيون بعد خمسة وعشرين قرنا؟ إن دفع المال للفيلسوف مقابل علمه المستنير يفترض مسبقًا أن يعرف المريض تكلفة التخلص من الآراء الخاطئة التي تمنع النشاط الفكري والصحة العقليَّة.) في الضد من أفلاطون وزملائه من الأكاديمية، افتتح أريستيبوس وأنتيسِتنيس وحلفاؤهما طريقة تعتمد على مسرح الشارع أكثر من الاعتماد على مدرج الجامعة. وهنا الساحة العامة المفتوحة بدلا من المساحة المغلقة، والظاهرة المرحة بدلاً من التقشف الباطني، والكرم المبهج مقابل التلقين النخبوي، والضحك والفكاهة والمفارقة لتحل محل روح الجدية بجميع أشكالها: البادرة القيرونية تعارض الممارسة الاختزالية ذات الأسلوب المدرسي، فهي تفترض مسبقًا توسيع خشبة المسرح إلى الحياة وتحويل الواقع إلى كوميديا ارتجالية. إنَّ الفيلسوف الفنان مقابل الفيلسوف الشرير، والبهلواني والمهرج مقابل الكاهن والأستاذ، وحلبة السيرك مقابل الجامعة... 

أخيرًا، فإنَّ اريستيبوس قد شنَّ حرباً على أفلاطون من خلال تركيز اهتمامه الفلسفي على الواقع المحسوس وحده: الحياة، والجسد، والمتعة، والرغبة، والجسد، والتجسّد، والحياة اليوميَّة. على عكس أفلاطون الذي حوّل العالم المادي إلى نقطة انطلاق للوصول إلى الأفكار. فعنده، على سبيل المثال، يكون الجسد ذا قيمة فقط، بقدر ما يتلاشى ويتحول بعد استخدامه كنقطة انطلاق نحو الجميل في ذاته. إنَّ ادّعاء أريستيبوس هنا والآن، بالآنية الملموسة، وإرادة الاستمتاع التي تحولت إلى توتر أساسي، يضعه في مواجهة أفلاطون. كان ديوجينيس يقول عنه: «كلب ملكي»، كلب مزيف في مواجهة عدوه وخصمه مدى الحياة...

أريستيبوس إذن. يطرح نظرية معرفية شبيهة بنظرية السوفسطائيين - وهو أمر سيتذكره المشككون. نحن نعلم أن بروتاغوراس أكد أن الإنسان هو مقياس كل الأشياء. مع هذه الأطروحة، فإن الحقيقة الواحدة، الشاملة، المطلقة، الأبدية والموضوعية - الأفلاطونية، بعبارة أخرى - يجري تحطيمها: وفقًا لنظر السفسطائي، لا يوجد سوى حقائق متعددة وذاتية ونسبية وشخصية وظرفية. موت الحق في ذاته، ومن ثمَّ موت المثل العليا الأخرى، تلك التخيلات التي وضعها أفلاطون: العادل، الجميل، الخير في حد ذاته. وبنظرة خاطفة على خيار السفسطائيين الميتافيزيقيين - وخيار القيرونيين أيضًا - نتذكر المذهب الاسمي أو الاسمانية المتأخرة - التي لا يزال ثراؤه سليماً، ولا يزال يتعيّن استغلاله في عصرنا ما بعد الحداثوي.  لذلك، فإنَّ النسبويَّة، لدى القيرونيين تفترض مسبقًا، نظرية عن العواطف، وعلم الأمراض، وحتى إثارة الشفقة، أي أن المعرفة تمر عبر جسد الشخص الذي يمارسها. ويتحقق الواقع وفقًا لترتيب الأحاسيس المنظمة فكريا. فقط وحده الجسد الحسّي يصل إلى المعلومات. وهكذا تصبح الظاهرة معيارًا للحقيقة - على الأقل ما يمكن اعتباره حقيقة،  ومن ثمَّ تسمى في صيغة فرديّة. ويبقى الجوهر غير معروف - لسبب وجيه هو أنه غير موجود ...

وما هدف الفلسفة؟ أن تعيش عيشة على نحو ملائم. لا نفكر من أجل التفكير، لا نتفلسف من أجل المتعة النرجسية المتمثلة في التلاعب بالمفاهيم التي لا يمكن فهمها أو الكلمات الفظة أو المفاهيم المشوشة، ولكن من أجل تحويل وجودنا، لجعل حياتنا عملاً متماسكًا، لإنتاج أسلوب وجودي، لتجسيد تفكيرنا في الحياة اليومية، وهذا في الوصول إلى أدق التفاصيل: في الملبس، والجاذبية، والمظهر، ولكن أيضًا في الحركات، والكلمات، والأفعال، والصمت، والانسحاب، والامتناع. يجب أن تصيب الفلسفة أدنى فجوة في السيرة الذاتية، فهي تبعث روحًا، وشفيعا وثنيا يمكن التعرف عليه في دقائقه الصغيرة، وتتجلى في حالة متناهية الصغر. وأريستيبوس يشهد بذلك.

يقترح أريستيبوس نظامًا غذائيًا للملذات. لا شكّ أنها ليست مسألة متعة من دون ضمير، حيوانية، فجة - كما يحب أن يعتقد أعداء مذهب المتعة. كلا. لكن الاستمتاع المُقاس mesurée محسوب calculée، استمتاع مبني. توتر وزهد لا استرخاء ولا تراخ. ارادة لا ضعف. صلابة وليس ميوعة. إن الحكمة تتطلب عملاً من أعمال الضمير:  فحص الظروف التي يمكن في ظلها تحقيق أقصى قدر من المتعة، والاهتمام بتجنب أي بادرة قد تكلف القليل من الاستياء، والحرص على اختيار أي سعادة فيها لا تشوب هذا الاختيار أي شائبة، إن أريستيبوس لا يدعو إلى أية متعة كانت، بل إلى تلك التي يمكن الحصول عليها بتدبير وبأقل تكلفة. لكي لا يكون عبدًا وشيئًا من الملذات، يحول أريستيبوس اللحظة إلى نقطة مفعمة بالمتعة وشبيهة بالماس ليعيش في جوهرها، وإلى تجربة على نحو مطلق. لا يلوث اللحظة بذكرى الماضي أو بمخاوف من مخاطر المستقبل. في كثير من الأحيان يفسد الحاضر بسبب دخول الطاقات السيئة فيه القادمة مباشرة من الماضي أو المستقبل: ذكريات سيئة، وآثار باقية من الأمس، وحتى القلق بشأن الغد وما سيأتي بالتأكيد. إن الزمن الحاضر وهو عالق بين الزمن المنقضي والزمن غير الموجود، يستطاب مثل خمرة فاخرة وثمينة. سيتذكر أبيقور ذلك، ويخلق علاجه اعتبارا من هذه البدهيات القيرونية: لا تخف من الآلهة، لا تخش الموت. وتعلم أنه من الممكن  الوصول إلى السعادة وتسكين الآلام. لا يمكن النظر في دستور الأدوية هذا القادر على علاج آلام الحياة إلا من منظور النظرية الآنية الأريستبيوسيه المحدثة: في اللحظة ذاتها، ليس للآلهة مكان في هذه اللحظة، حيث هم، إذا كانوا - خارج الزمن-، ليس لديهم اهتمام بالبشرية - كن مطمئنًا، الخلود والحاضر لا يتجاوران. والشيء نفسه مع الموت، الذي لا يمكننا أن نخافه، فطالما أننا موجودون فهو غير موجود - ولم القلق بشأنه، إن لم نكن نتطلع إلى المستقبل؟ - وعندما يحدث ذلك، لم نعد في وضع يسمح لنا بتجربة أي ألم افتراضي. وفقًا للمبادئ القيرونيّة، فإن التهام النفس هو فلسفيًا بمثابة صيام، وفي السياسة، يفكر على المنوال نفسه. من الواضح أن وجوده في بلاط  ديونيسيوس الأول حاكم سرقوسة سرعان ما أكسبه لقب رجل الحاشية سيئ السمعة. ولكن كونه أحد رجال الحاشية ليس بالضرورة شخصًا متملقًا أو ديماغوجيًا. في هذا البلاط، يمكن أيضًا مقابلة أفلاطون الذي، على الأرجح، كان يضع ويفكر بنظريته عن  الفيلسوف الملك. ومع ذلك: كيف يمكن للملك أن يصبح فيلسوفًا من دون أن يتنحى، وعلى الفور، ليثبت أنه سيكون فيلسوفا؟، هل يمكننا، إذا لم يكن الأمر كذلك، أن نتخيل فيلسوفًا يوافق، حقًا، على أن يصبح أميرًا؟ إنّ الفيلسوف في الكهف لا ينبس ببنت شفة...لا يؤمن أريستيبوس بتحويل ديونيسيوس إلى أمير فيلسوف - على عكس أفلاطون ... يمارس في برقة (قورينائية)، في راحة في كل مكان، ولم يمتنع من أي شيء أو أيّ كان، لم يعد يلتمس أذنا من الطاغية أكثر من أن يرفض الاحتكاك به. ليس فرط البعد ولا القرب يستحقان من أجل الروح والإرادة الحرة والحرية والاستقلال الذاتي والاستقلالية. إنَّ الاقتراب للغاية، يعني الاعتماد على الخضوع والحاجة. والحالة هذه لم يضطر أريستيبوس أبدًا إلى الخضوع لديونيسيوس من أجل العيش. فهو يتجول في القصر كما يتجول في ساحة أغورا في  قورينة، بالتراخي نفسه، تحركه ذات الأفكار، مفعلًا تهكما مماثلا. وهو يتحدث إلى الأمير كما لو كان يخاطب بائع خضار أو بائع سمك مشغول في كشكه.

**

من أقواله:

- عندما اقترح عليه أحدهم لغزًا وقال له: “حلل”، أجاب: “لماذا تريد مني، أيها الغبي، أن أكشف عما يجعلنا في حرج، حتى لو كان مثبتا؟»

- عندما أهانه أحدهم ذات يوم، ابتعد. بينما كان الآخر يلاحقه ويسأله: “لماذا تهرب؟”، أجاب أريستيبوس، “لأنه إذا كان لديك الحرية في قول الإهانات، فلدي الحرية في عدم الاستماع إليها”.

-  عندما أخبره أحدهم أنه دائمًا ما كان يرى فلاسفة عند باب الأغنياء، قال: “الأطباء أيضًا على باب الرجل المريض، ومع ذلك، لا أحد يختار أن يكون مريضًا بدلاً من طبيب”.

-  الشجاعة والتهور شيئان مختلفان. الشجاعة معقولة، والتهور يسير جنباً إلى جنب مع الوقاحة.

- عندما أهانه أحدهم لأنّه طُرد من وطنه قورينا، أجاب أريستيبوس: “نعم، أيها الشاب، لقد ظلمني وطني وهو يطردني من ليبيا إلى اليونان”.

- كان يقول لأخيه: “تذكر أنك أنت أصل الفراق وأنا أصل المصالحة”.

- في يوم من الأيام شرع أريستيبوس في الإبحار على متن سفينة، حاملاً معه ثروات كبيرة قدمها له ديونيسيوس. ولكن عندما بدأ البحارة في التآمر، ذهب إلى وسط السفينة، وتراجع إلى أحد جوانبها، وأمر بتفريغ محتويات الحاويات على الأرضية كما لو كان ينوي عد النقود، ثم وهو ينظر حوله باهتمام، ألقى بكل شيء في البحر. ثم قال للبحارة الذين غضبوا: “من الأفضل أن أرمي نقودي بنفسي بدلاً من أن يلقى بي بسبب  أموالي”.

- قال لزوجته، التي عاتبته على عدم الاقتراب من ابنه، الذي خرج عن طوره، بصق وقال، “هذا البصاق خرج منّي أيضًا، ومع ذلك فهو لا يفيدني”.

- رأى أريستيبوس ذات مرة امرأة ذات قامة قصيرة ولكنها جميلة جدًا. فقال: القبح ضئيل لكن الجمال عظيم. [ويقول آخرون: “الجمال ضئيل، لكن عظيم هو القبح. »] 

- في أحد الأيام، بينما كان يدخل منزل إحدى المحظيات، بدأ أحد الشبان المرافقين له يحمر خجلاً، فقال أريستبوس، “ما هو خطأ ليس عدم الدخول، ولكن عدم القدرة على الخروج”.

 - كان أريستبوس يقول إنّه يتلقى أجراً من تلامذته ليس لزيادة مستوى معيشته، ولكن حتى يتعلمون إنفاق أموالهم على أشياء مفيدة.

- اعتاد القول: “يجب أن يحصل المعلمون على رواتب عالية من التلاميذ الأكفاء، لأنهم يتعلمون الكثير، ومن التلاميذ العاجزين، لأنهم يسببون الكثير من التعب”.

- بينما كان خادمه، في رحلة، يحمل نقودًا وقد أثقلت كاهله، صرخ به  : “اترك الفائض واحمل فقط ما يمكنك حمله.»

- وهو يتخذ من يوليسيس أنموذجا لحياته، حارب أريستيبوس بقوة ضد الفقر والبؤس من خلال احتضان المتعة من دون تحفظ.

- سأله ديوجينيس عن الفائدة التي جناها من الفلسفة. أجابه: “لتكون قادرًا على أن تكون ثريًا من دون أن تملك مليما واحدا.»

عندما سُئل مرة عن الطريقة التي يتفوق بها الفلاسفة على الآخرين، أجاب: “عندما تكون  جميع القوانين ملغاة، سنستمر في العيش بذات الطريقة”. 

- عندما سئل كيف يختلف الحكيم عن غير الحكيم، قال: «أرسلهما عريانين إلى أناس لا يعرفونهما وستعرف الفرق».

- [ذات يوم] رد، على من  كان يتعرض له بالتوبيخ: “أنت حر في أن تهيل عليَّ الإهانات، وأنا أيضًا حر في أن استمع إليك أو لا أستمع.

- عندما رأى الفيلسوف القيروني أريستيبوس رجلاً غاضبًا يتلفظ بكلمات بغيضة:، قال له: “لا يجب أن يستدعي الغضب الكلمات، بل يجب تهدئة الغضب بالكلمات”. كان يقول: “من الأفضل أن تكون متسولا من أن تكون غير متعلم، فإذا كان المتسولون يفتقرون إلى المال، فإن غير المتعلمين يفتقرون إلى الإنسانية.» - عندما سُئل، لماذا يأتي الفلاسفة إلى أبواب الأغنياء بينما الأغنياء لا يأتون إلى أبواب الفلاسفة، قال: “لأن البعض يعرفون ما يحتاجون إليه والبعض الآخر لا يعرفون ما يحتاجونه مطلقا”. 

- قال له ديونيسيوس: “من يذهب إلى طاغية فهو عبده، حتى لو ذهب إليه بحرية”، فقاطعه أريستيبوس قائلاً: “إنه ليس عبداً، إذا كان حراً. فليذهب”. هذا ما يقوله ديوكليس في كتابه حول حياة الفلاسفة.