وداعاً هيغل

آراء 2023/07/27
...

 رزاق عداي 


 «وداعاً افلاطون، وداعا هيغل، لقد اُغلق الدكان»، هذه هي صيحة أحد الفلاسفة المعاصرين، الذي ينتمي إلى الموضات الاخيرة لـ (ما بعد الحداثة) الفكرية، التي تزعم بشكل أساسي، أن لا حقيقة نهائية يمكن الركون إليها أو ليست هناك قاعدة فكرية قابلة للتعميم. 

 ودون شك فإن الفلسفة في الحقبة المعاصرة باتت لا تحظى بهذا القدر من الاحترام ، توافقاً مع رأي (نيتشه) بانها قد ضَللت، بل واَفسدت، سواء في نظرتها ام روحيتها، 

 والحقيقة ان الوقت ما زال مبكراً ، للادعاء أن الفلسفة قد انتهت مع (هيغل) ومعاصريه، وبأن العصر الذي يؤمن فيه الناس بالمعرفة الشاملة المطلقة، أو بأن العقلاني هو الفعلي، قد انتهى منذ زمن بعيد، لقد تحث الكثيرون بهذه الفكرة من الفيلسوف الوجودي في القرن التاسع عشر (كريكجارد) الذي وصف (هيغل) بانه لا يعدو مشعوذا لاهوتيا، وفيورباخ، وليس انتهاءً بـ(رورتي) و(دريدا)، فكل هؤلاء شككوا بإمكانية تشييد أنظمة فلسفية كلية. 

 إن الذي ساعد على صعود موجة موت الفلسفة، هو أن الفلسفة ذاتها قد فقدت أسئلتها التقليدية التي انبثقت بقوة منذ زمن الاغريق، وظلت تتداور وتجتر ذاتها، عبر مراحل التاريخ الانساني بطريقة مكررة ومملة، وعجز الفكر الفلسفي من ابتكار مساحات غير مشتغل عليها، إلى أن تمكنت الابتكارات الفيزيائية والبايولوجية والكيميائية أن تعثر على الإجابات شبه اليقينية، وبذلك فرغت الفلسفة من بضاعتها، فسؤال مثل أزلية الوجود أو حدوثة لم يعد متداولا حتى في المناهج الاكاديمية، كما أن منجزات فرويد ودارون سحبت البساط من تحت أقدام الفلسفة وجعلتها عارية وغير مجدية، عموما في عصرنا الاستهلاكي الراهن السريع لم تعد الفلسفة لتناسبه كثيرا، وهذا ما شرحه كتاب المفكر الكندي (الان دونو) (نظام التفاهة) بإسهاب كبير، 

 ولكن تبقى صعوبات تواجه من يدعي بنهاية الفلسفة تماما، فكيف يمكن تجاوز المنطق الفلسفي أو تعطيله بدون اللجوء إلى آراء هي فلسفية أيضا؟، هنا تكمن المعضلة عن كيفية التفكير بدون تفكير، وهي المعضلة التي واجهت كل من فوكو ودولوز ودريدا فأصروا بأنهم غير فلاسفة، وقبلهم كان كامو أراد أن تنزع عنه صفة الفيلسوف، التي باتت تعاني من النبذ والطرد من قبل كثير من الاوساط الاجتماعية وحتى الثقافية، 

 في العراق ليست ثمة مشكلة في هذا الجدال الكوني، فالعراق ينام في جوف التاريخ منذ زمن بعيد والوسط الثقافي العراقي هو بالاساس يعاني من جدب وخلو من أي حضور فلسفي لعدة اعتبارات لا مجال إلى ذكرها هنا، هو اليوم ليس طاردا للفلسفة فحسب، انما هو ماسح لآثارها بفضل مشكلاته الكهربائية والمائية والوجودية اللامتناهية.