باقر صاحب
نعلم تماماً أنَّ ظاهرة تدنيس نسخٍ من القرآن الكريم تمَّ تداولها إعلامياً، على نطاقٍ محليٍّ وإقليميٍّ وعالمي، في تقارير إخباريةٍ ومقالات، تناولتِ الفعل المشين وردَّ الفعل المتمثّل في فعاليات احتجاجٍ شعبية، ورسميةٍ تمثلت في
قرار الحكومة العراقية في قطع العلاقات مع السويد وطرد سفيرتها في العراق بعدما تكررت الظاهرة، إذ رافق التكرار حرقُ العلم العراقي. عربياً تمّ استدعاء سفراء السويد في بعض الدول العربية للاحتجاج على ترخيص الشرطة السويدية لهذا الفعل المستفزّ لمشاعر المسلمين في أنحاء العالم.
المستجدّات المتناقضةُ في ظاهرةِ تجّدد خطاب الكراهية بشكلٍ غير مسبوقٍ في كلّ العالم، وخاصة أوروبا، تتمثل في؛ أولاّ الردُّ الإيجابي الذي بعثه
أمين عام الأمم المتحدة انطونيو غوتيريش على رسالة المرجع الأعلى السيد علي السيستاني، احتجاجاً على ما جرى في السويد من تدنيس القرآن وحرقه، ردُّ السيد غوتيريش، تمّ الإعلان عنه نهاية الأسبوع الماضي، وأشاد الأخير بحكمة آية الله السيد السيستاني واعتداله تجاه التطورات الأخيرة، الباعثة لخطاب الكراهية، حيث ذكر في رسالته الجوابية «إنني أؤيد تأييداً تاماً دعوتكم إلى تعزيز التعايش السلمي وتوطيد قيم الرحمة. وأودّ أن أعربَ عن احترامي الحقيقي وإعجابي الشديد بحكمتكم ونهجكم المعتدل وندائكم المستمر من أجل الاحترام المتبادل والوحدة. وأرحّب بالمزيد من التواصل والتفاعل المستمر مع سماحتكم بشأن هذه المسائل المهمة ذات الاهتمام المشترك».
وكان آية الله السيد السيستاني ندّد في رسالته بأن تسمح حرية التعبير في دول أوروبا بخدش مشاعر المسلمين في أنحاء العالم، حيث نصّ في رسالته « أن احترام حرية التعبير عن الرأي لا يبرّر أبداً الترخيص في مثل هذا التصرف المخزي الذي يمثّل اعتداءً صارخاً على مقدسات أكثر من ملياري مسلم في العالم، ويؤدي إلى خلق بيئةٍ مواتيةٍ لانتشار الأفكار المتطرفة والممارسات الخاطئة.»
وإذا كان ردُّ السيد غوتيريش على رسالة آية الله السيد السيستاني، يُعتبرُ مستجدّاً إيجابياً بتوقيع أمين عام أرفع منظمةٍ أمميةٍ في العالم، فإن المُستجدَّ السلبي تزامنَ مع الإيجابي، وصدرا في اليوم نفسه بتاريخ 27-7-2023، تمثّل السلبي في تصريح رئيس وزراء السويد أولف كريسترسون
بأنَّ الشرطة السويدية تلقَّت عدة طلبات إذنٍ بإحراق نصوصٍ دينيةٍ، مشيراً إلى خشيتهُ من أنّ تلك الأعمال ستصعّد التوتّرات مع الدول الإسلامية، ولكنَّ مخاوفه ليست ذات قيمةٍ حين يذكرُ في أول تصريحاته العلنية إزاء ما جرى في بلاده» الشرطة هي من يتّخذُ تلك القرارات ولستُ أنا.. إن سمحوا بذلك، سنواجه أياماً من المخاطر الواضحة أموراً وأشياءً خطيرة».
والسؤال هنا: ألا يستطيع برلمانهم مثلاً، من إصدار قرارٍ بسحب التراخيص من الشرطة السويدية، بما يتعلّق بشأن تصعيد خطاب الكراهية إزاء الديانات الإبراهيمية، إذا كان رئيسُ أعلى سلطةٍ تنفيذيةٍ لا يستطيع منعهم.
طالما أنَّ التصعيد المستمر في هذا الاتجاه سيهدد أمن المواطنين السويديين والمصالح السويدية في العالم.
والسؤال الآخر الذي يطرح نفسه، ماذا سيكون تصرف أميركا ودول أوروبا، لو جرى تدنيس كتاب الإنجيل المقدس عند المسيحيين وحرقه أمام سفارات تلك الدول في العالمين العربي والإسلامي؟
إن لم يسمحوا بذلك، فذلك يعني وضوح سياسة الكيل بالمكيالين مع دول الشرق، وإن سمحوا بذلك عملاً بحرية التعبير، فإنّ تداعيات ذلك له مخاطر لا تُعدُّ ولا تُحصى، أولُها اشتدادُ الكراهية بين شعوب العالم، وثانيها إنَّ هناك شيئاً مرعباً جداً، يجري العمل له في الخفاء، وهو محاربةُ الدياناتِ الابراهيمية، والحطُّ من دورها في تعزيز الأخلاق والقيم الإنسانية جميعها، حينذاك يغرق العالم في فوضىً لامثيل لها، تفيد منها الدول الكبرى، من أجل بسط نفوذها بما هو أقوى ممّا هو عليه الآن، وفرضِ تشريعاتٍ على دول الشرق تبيح ممارساتٍ لا أخلاقية مثل المثلية... نخشى أننا سنكون ضمن خريطة عالمٍ سوداويٍّ يَصعبُ العيشُ في جميع أرجائه.